دونه، إلَّا أن يرد ذلك إليه بنص صريح يزيد على إطلاق الحسبة، فيجوز ويصير بهذه الزيادة جامعًا بين قضاء وحسبة، فيراعَى فيه أن يكون من أهل الاجتهاد، وإن اقتصر به عن مطلق الحسبة، فالقضاة والحكام بالنظر في قليل ذلك وكثيره أحق، فهذا وجه.
والوجه الثاني: إنَّها مقصورة على الحقوق المعترف بها، فأمَّا ما يتداخله التجاحد والتناكر فلا يجوز للمحتسب أن يسمع بينة على إثبات الحق، ولا أن يحلف يمينًا على نفي الحق، والقضاة والحكام بسماع البينة وإحلاف الخصوم أحق.
وأما الوجهان في زيادتها على أحكام القضاء:
فأحدهما: إنه يجوز للناظر فيها أن يتعرَّض لتصفُّح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من المنكر وإن لم يحضره خصم مستعد، وليس للقاضي أن يتعرَّض لذلك إلا بحضور خصم يجوز له سماع الدعوى منه، فإن تعرّض القاضي لذلك خرج عن منصب ولايته، وصار متجوزًا في قاعدة نظره.
والثاني: إنَّ للناظر في الحسبة من سلاطة السلطنة واستطالة الحماة فيما تعلق بالمنكرات ما ليس للقضاة؛ لأنَّ الحسبة موضوعة للرهبة، فلا يكون خروج المحتسب إليها بالسلاطة والغلظة تجوزًا فيها ولا خرقًا، والقضاء موضوع للمناصفة، فهو بالأناة والوقار أحق، وخروجه عنهما إلى سلاطة الحسبة تجوز وخرق؛ لأنَّ موضوع كل واحد من المنصبين مختلف، فالتجوز فيه خروج عن حده.
وأما ما بين الحسبة والمظالم فبينهما شبه موتلف وفرق مختلف.
أحدهما: إنَّ النظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة، والنظر في الحسبة موضوع لما رفه عنه القضاة، ولذلك كانت رتبة المظالم أعلى، ورتبة الحسبة أخفض، وجاز لوالي المظالم أن يوقع إلى القضاة والمحتسب، ولم يجز للقاضي أن يوقع إلى والي المظالم، وجاز