له أن يوقع إلى المحتسب، ولم يجز للمحتسب أن يوقع إلى واحد منهما، فهذا
الفرق الثاني: إنه يجوز لوالي المظالم أن يحكم، ولا يجوز لوالي الحسبة أن يحكم.
فصل:
وإذا استقر ما وصفناه من موضع الحسبة، ووضع الفرق بينهما وبين القضاء والمظالم فهي تشتمل على فصلين:
أحدهما: أمر بالمعروف.
والثاني: نهي عن المنكر١.
فأما الأمر بالمعروف فينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يتعلق بحقوق الله تعالى.
والثاني: ما يتعلق بحقوق الآدميين.
والثالث: ما يكون مشتركًا بينهما.
فأما المتعلق بحقوق الله -عز وجل- فضربان:
أحدهما: يلزم الأمر به في الجماعة دون الانفراد؛ كترك الجمعة في وطن مسكون، فإن كانوا عددًا قد اتفق على انعقاد الجمعة بهم -كالأربعين فما زاد- فواجب أن يأخذهم بإقامتها، ويأمرهم بفعلها، ويؤدّب على الإخلال بها، وإن كانوا عددًا اختلف في انعقاد الجمعة بهم فله ولهم أربعة أحوال:
أحدها: أن يتفق رأيه ورأي القوم على انعقاد الجمعة بذلك العدد، فواجب بهم فله
١ المقصود: إنَّ الحكم بين الناس في النوع الذي لا يتوقف على الدعوى هو المعروف بولاية الحسبة، وقاعدته وأصله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ووصف به هذه الأمة وفضلها لأجله على سائر الأمم التي أخرجت للناس، وهذا واجب على كل مسلم قادر، من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} . [الطرق الحكمية: ص ٣٥٤] .