فأمَّا صلاة الجماعة في المساجد، وإقامة الأذان فيها للصلوات فمن شعائر الإسلام، وعلامات التعبُّد التى فرَّق بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين دار الإسلام ودار الشرك، فإذا اجتمع أهل بلد أو محلة على تعطيل الجماعة في مساجدهم، وترك الأذان في أوقات صلواتهم، كان المحتسب مندوبًا إلى أمرهم بالأذان والجماعة في الصلوات، وهل ذلك واجب عليه يأثم بتركه، أو محتسب له يثاب على فعله؟ على وجهين من اختلاف أصحاب الشافعي في اتفاق أهل بلد على ترك الأذان والإقامة والجماعة، وهل يلزم السلطان محاربتهم عليه أم لا؟
فأما ترك صلاة الجماعة من آحاد الناس، أو ترك الأذان والإقامة لصلاته، فلا اعتراض للمحتسب عليه إذا لم يجعله عادة وإلفًا؛ لأنها من الندب الذي يسقط بالأعذار، إلَّا أن يقترن به استرابة أو يجعله إلفًا وعادة، ويخاف تعدي ذلك إلى غيره في الاقتداء به، فيراعي حكم بشواهد حاله، كالذي روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا خطبًا وآمر بالصلاة فيؤذن لها وتقام، ثم أخالف إلى منزل أقوام لا يحضرون الصلاة فأحرقها عليهم" ١.
وأما ما يأمر به آحاد الناس وأفرادهم فكتأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، فيذكر بها ويأمر بفعلها، ويراعي جوابه عنها، فإن قال: تركتها لنسيان حثه على فعلها بعد ذكره، ولم يؤدبه؛ وإن قال: تركتها لتوان وهوان أدبه زجرًا، وأخذه بفعلها جبرًا، ولا اعتراض على من أخرها، والوقت باقٍ لاختلاف الفقهاء في فضل التأخير، ولكن لو كانت الجماعات في بلد قد اتفق أهله على تأخير صلواتهم إلى آخره، والمحتسب يرى فضل تعجليها، فهل له أن يأمرهم بالتعجيل على وجهين؛ لأن اعتبار جميع الناس لتأخيرها يفضي بالصغير الناشيء إلى اعتقاد أن هذا الوقت دون ما تقدم، ولو عجلها بعضهم ترك من أخرها منهم ما يراه من التأخير.
فأمَّا الأذان والقنوت في الصلوات إذا خالف فيه رأي المحتسب فلا اعتراض له فيه بأمر ولا نهي، وإن كان يرى إذا كان ما يفعل مسوغًا في الاجتهاد لخروجه عن معنى ما قدمناه،
١ صحيح: رواه البخاري في كتاب الأذان "٦٤٤"، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة "٦٥١".