الحال ما ينكره تأنَّى وتفحص وراعى شواهد الحال، ولم يعجل بالإنكار قبل الاستخبار، كالذي رواه ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة قال: بينما عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يطوف بالبيت إذ رأى رجلًا يطوف وعلى عاتقه امرأة مثل المهاة -يعني حسنًا وجمالًا- وهو يقول [من السريع] :
قدت لهذي جملًا ذلولًا ... موطأ أتبع السهولا
أعدلها بالكف أن تميلا ... أحذر أن تسقط أو تزولا
أرجو بذاك نائلًا جزيلا
قال له عمر -رضي الله عنه: يا عبد الله، من هذه التي وهبت لها حجك؟ فقال: امرأتي يا أمير المؤمنين، وإنها حمقاء مرغامة، أكول قمامة، لا يبقى لها خامة. فقال له: ما لك لا تطلقها؟ قال: إنها حسناء لا تفرك، وأم صبيان لا تترك. قال: فشأنك بها.
قال أبو زيد: المرغام المختلط، فلم يقدم عليه بالإنكار حتى استخبره، فلما انتفت عنه الريبة لان له.
وإذا جاهر رجل بإظهار الخمر، فإن كان مسلمًا أراقها عليه وأدابه، وإن كان ذميًّا أدبه على إظهارها.
واختلف الفقهاء في إراقتها عليه، فذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تراق عليه؛ لأنها عنده من أموالهم المضمونة في حقوقهم، ومذهب الشافعي أنها تراق عليهم؛ لأنها تضمن عنده في حق مسلم ولا كافر.
وأما المجاهرة بإظهار النبيذ، فعند أبي حنيفة أنه من الأموال التي يقر المسلمون عليها، فيمتنع من إراقته، ومن التأديب على إظهاره. وعند الشافعي أنه ليس بمال كالخمر، وليس في إراقته غرم، فيعتبر والي الحسبة بشواهد الحال فيه، فينتهي فيه عن المجاهرة، ويزجر عليها إن كان لمعاقرة، ولا يريقه عليه إلا أن يأمره بإراقته حاكم من أهل الاجتهاد؛ لئلَّا يتوجه عليه غرم إن حوكم فيه.
وأما السكران إذا تظاهر بسكره وسخف بهجره أدبه على السكر والهجر تعزيزًا لا حدًّا؛