وأما المجاهرة بإظهار الملاهي المحرَّمة، فعلى المحتسب أن يفصلها حتى تصير خشبًا؛ لتزول عن حكم الملاهي، ويؤدّب على المجاهرة بها، ولا يكسرها إن كان خشبها يصلح لغير الملاهي.
وأما اللعب فليس يقصد بها المعاصي، وإنما يقصد بها إلف البنات لتربية الأولاد. وفيها وجه من وجوه التدبير تقارنه معصية بتصوير ذوات الأزواج ومشابهة الأصنام، فللتمكين منها وجه، وللمنع منها وجه، وبحسب ما تقتضيه شواهد الأحوال يكون إنكاره وإقراره.
قد دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- على عائشة -رضي الله عنها- وهي تلعب بالبنات فأقرها ولم ينكر عليها.
وحكي أن أبا سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي تقلّد حسبة بغداد في أيام المقتدر، فأزال سوق الدادي ومنع منها، وقال: لا يصلح إلّا النبيذ المحرم، وأقر سوق اللعب ولم يمنع منها، وقال: قد كانت عائشة -رضي الله عنها- تلعب بالبنات بمشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره عليها؛ وليس ما ذكره من اللعب بالبعيد من الاجتهاد.
وأما سوق الدادي فالأغلب من حاله أنّه لا يستعمل إلا في النبيذ، وقد يجوز أن يستعمل نادرًا في الدواء وهو بعيد، فبيعه عند من يرى إباحة النبيذ جائز لا يكره، وعند من يرى تحريمه جائز لجواز استعماله في غيره، ومكروه اعتبارًا بالأغلب من حاله، وليس منع أبي سعيد منه؛ لتحريم بيعه عنده. وإنما من المظاهرة بإفراد سوقه، والمجاهرة ببيعه إلحالقًا له بإباحة ما اتفق الفقهاء على إباحة مقصده؛ ليقع لعوام الناس الفرق بينه وبين غيره من المباحات، وليس يمتنع إنكار المجاهرة ببعض المباحات، كما ينكر المجاهرة بالمباح من مباشرة الأزواج والإماء.
وأما ما لم يظهر من المحظورات، فليس للمحتسب أن يتجسس عنها، ولا أن يهتك الأستار حذرًا من الاستتار بها، قال النبي -عليه الصلاة والسلام: "من أتى من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله تعالى