فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارات دلت، وآثار ظهرت، فذلك ضربان:
أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل: أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا بامرأة ليزني بها، أو برجل ليقتله، فيجوز له في مثل هذه الحالة أن يتجسَّس ويقدم على الكشف والبحث، حذرًا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم، وارتكاب المحظورات، وهكذا لو عرف ذلك من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف، والبحث في ذلك، والإنكار، كالذي كان من شأن المغيرة بن شعبة.
فقد روي أنه كان تختلف إليه بالبصرة امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل بنت محجن ابن الأفقم، وكان لها زوج من ثقيف يقال له: الحجاج بن عبيد، فبلغ ذلك أبا بكر بن مسروح، وسهل بن معبد، ونافع بن الحارث، وزياد بن عبيد، فرصدوه حتى إذا دخلت عليه هجموا عليهما، وكان من أمرهم في الشهادة عليه عند -ماهو مشهور، فلم ينكر عليهم عمر -رضي الله عنه- هجومهم، وإن كان حدهم القذف عند قصور الشهادة.
والضرب الثاني: ما خرج عن هذا الحد وقصر عن حد هذه الرتبة، فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه.
حكي أن عمر -رضي الله عنه- دخل على قومه يتعاقرون على شراب، ويوقدون في أخصاص، فقال: نهيتكم عن المعاقرة فعاقرتم، ونهيتكم عن الإيقاد في الأخصاص فأوقدتم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد نهاك الله عن التجسس فتجسست، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت، فقال عمر -رضي الله عنه: هاتان بهاتين وانصرف ولم يتعرض لهم. فمن سمع أصواتًا ملأة منكرة من دار تظاهر أهلها بأصواتهم أنكرها خارج الدار، ولم يهجم عليه بالدخول؛ لأن المنكر ظاهر وليس عليه أن يكشف عما سواه من الباطن.