للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهَا يُخْرِجُهَا عَنْ وَزَارَةِ التَّنْفِيذِ إلَى وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْوَزَارَةِ، فَافْتَقَرَ إلَى عَقْدٍ يَتَقَدَّمُهُ، وَالْأَوَّلُ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: قَدْ فَوَّضْنَا إلَيْكَ الْوَزَارَةَ صَحَّ؛ لِأَنَّ وُلَاةَ الْأُمُورِ يُكَنُّونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَيُعَظِّمُونَ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَيْهِمْ فَيُرْسِلُونَهُ، فَيَقُومُ قَوْلُهُ: قَدْ فَوَّضْنَا إلَيْكَ، مَقَامَ قَوْلِهِ: فَوَّضْتُ إلَيْكَ، وَقَوْلُهُ: الْوَزَارَةُ مَقَامَ قَوْلِهِ: وَزَارَتِي، وَهَذَا أَفْخَمُ قَوْلٍ عُقِدَتْ بِهِ وَزَارَةُ التَّفْوِيضِ وَأَوْجَزُهُ، وَلَوْ كَنَّى غَيْرُ الْمُلُوكِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْجَمْعِ وَتَرَكَ الْإِضَافَةَ لَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ التَّفَرُّدِ وَالْإِضَافَةِ؛ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: قَدْ قَلَّدْتُكَ وَزَارَتِي أَوْ قَدْ قَلَّدْنَاكَ الْوَزَارَةَ، لَمْ يَصِرْ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ وُزَرَاءِ التَّفْوِيضِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّفْوِيضَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: ٢٩-٣٢] .

فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَزَارَةِ حَتَّى قَرَنَهَا بِشَدِّ أَزْرِهِ وَإِشْرَاكِهِ فِي أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَزَارَةِ مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِقَاقِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوِزْرِ وَهُوَ الثِّقَلُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَنِ الْمَلِكِ أَثْقَالَهُ.

الثَّانِي: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَزَرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كَلَّا لَا وَزَرَ} [القيامة: ١١] .

أَيْ: لَا مَلْجَأَ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ يُلْجَأُ إلَى رَأْيِهِ وَمَعُونَتِهِ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَزْرِ وَهُوَ الظَّهْرُ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ يَقْوَى بِوَزِيرِهِ، كَقُوَّةِ الْبَدَنِ بِالظَّهْرِ، وَلِأَيِّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ مُشْتَقًّا فَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يُوجِبُ الِاسْتِبْدَادَ بِالْأُمُورِ.

<<  <   >  >>