فَصْلٌ: "في الفروق بين سلطات الوزير والإمام"
وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَزَارَةُ التَّفْوِيضِ فَالنَّظَرُ فِيهَا -وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ- مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ، يَقَعُ الْفَرْقُ بِهِمَا بَيْنَ الْإِمَامَةِ وَالْوَزَارَةِ:
أَحَدُهُمَا: ما يخْتَصُّ بِالْوَزِيرِ، وَهُوَ مُطَالَعَةُ الْإِمَامِ لِمَا أَمْضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ، وَأَنْفَذَهُ مِنْ وِلَايَةٍ وَتَقْلِيدٍ، لِئَلَّا يَصِيرَ بِالِاسْتِبْدَادِ كَالْإِمَامِ.
وَالثَّانِي: مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَفْعَالَ الْوَزِيرِ وَتَدْبِيرَهُ الْأُمُورَ؛ لِيُقِرَّ مِنْهَا مَا وَافَقَ الصَّوَابَ، وَيَسْتَدْرِكَ مَا خَالَفَهُ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ الْأُمَّةِ إلَيْهِ مَوْكُولٌ، وَعَلَى اجْتِهَادِهِ مَحْمُولٌ.
وَيَجُوزُ لِهَذَا الْوَزِيرِ أَنْ يَحْكُمَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُقَلِّدَ الْحُكَّامَ، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْحُكْمِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَظَالِمِ وَيَسْتَنِيبَ فِيهَا؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْمَظَالِمِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْجِهَادَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْحَرْبِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَ تَنْفِيذَ الْأُمُورِ الَّتِي دَبَّرَهَا، وَأَنْ يَسْتَنِيبَ فِي تَنْفِيذِهَا؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ.
وَكُلُّ مَا صَحَّ مِنَ الْإِمَامِ صَحَّ مِنَ الْوَزِيرِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: وِلَايَةُ الْعَهْدِ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْهَدَ إلَى مَنْ يَرَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَزِيرِ.
الثَّانِي: إنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ الْأُمَّةَ مِنَ الْإِمَامَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَزِيرِ.
وَالثَّالِثُ: إنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْوَزِيرُ، وَلَيْسَ لِلْوَزِيرِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ.
وَمَا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَحُكْمُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ يَقْتَضِي جَوَازَ فِعْلِهِ وَصِحَّةِ نُفُوذِهِ مِنْهُ، فَإِنْ عَارَضَهُ الْإِمَامُ فِي رَدِّ مَا أَمْضَاهُ، فَإِنْ كَانَ فِي حُكْمٍ نَفَذَ عَلَى وَجْهٍ، أَوْ فِي مَالٍ وُضِعَ فِي حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ مَا نَفَذَ بِاجْتِهَادِهِ مِنْ حُكْمٍ، وَلَا اسْتِرْجَاعُ مَا فَرَّقَ بِرَأْيِهِ مِنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ فِي تَقْلِيدِ وَالٍ أَوْ تَجْهِيزِ جَيْشٍ وَتَدْبِيرِ حَرْبٍ، جَازَ لِلْإِمَامِ مُعَارَضَتُهُ بِعَزْلِ الْمُوَلَّى وَالْعُدُولِ بِالْجَيْشِ إلَى حَيْثُ يَرَى، وَتَدْبِيرُ الْحَرْبِ بِمَا هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَدْرِكَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ نَفْسِهِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَسْتَدْرِكَهُ مِنْ أَفْعَالِ وَزِيرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute