من شهر شوال، سنة ستة عشرة وسبع مائة، وكانت وفاة قاضي القضاة هذا، فجأة ليلة الخميس السادس والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة، ودفن صبيحة ذلك اليوم رحمة الله عليه، فلقد كان صدرا من صدور الإسلام، خيرا حليما كثير التواضع والإحسان إلى أصحابه، والرفق بعموم الناس، خليقا للسؤدد والرئاسة، لم يخلف بعده مثله، ومولده في ذي القعدة، سنة أربع وخمسين وست مائة، وولي القضاء في دمشق إحدى وعشرين سنة، وكان متين الديانة كثير المكارم، حسن السريرة فصيح العبارة، يلقي الدروس الطوال، ما بين لفظ وسماع، وأحسبه تغمده الله برحمته
٢٣٩ - أخبرنا قاضي القضاة أبو العباس، سماعا عليه، بانتخابي قال: أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا المبارك بن المبارك، أنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المهدي، أنا عبيد الله بن عمر، ثنا مُحَمَّد بن الحسن البربهاري، ثنا علي، يعني: ابن الفضيل، ثنا يزيد، هو ابن هارون، أنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حليم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبا لك يابن عباس أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من ترى منهم؟ قال: فتركت ذلك الرجل، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو
قائل، فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟، فأقول: لا أنا آتيك وأسأل عن الحديث، قال: فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع علي الناس يسألوني، فيقول: هذا الغلام كان أعقل مني.