وبوسعنا أن نزيد من إيضاحه بالقياس على مناهج الكيمياء. ولنفترض أن بلداً أياً كان عرف للمرة الأولى الصيغة الكيميائية للماء، وهي التي نعرفها في دراستنا الابتدائية، حيث تعلمنا أن:
هيدروجين٢ + أوكسجين١ = ماء
فهذه الصيغة صحيحة من حيث التحليل. ولكن لنفزض أن أحداً من الناس قبسها هكذا، ليطبقها في صناعة الماء، فإنه لن يصل إلى شيء، إذ ينقصه عند التطبيق عنصر جوهري هو: المركب الذي لم تعبر عنه الصيغة، ولا يمكن أن تعبر عنه، لأنها من حيث كانت تعبيراً عن علاقات كمية بين عنصري الايدروجين والأكسجين، اللذين يكونان الماء- تعد صحيحة على وجه الدقة.
فهي صحيحة، ولكنها غير قابلة للتطبيق في يد من لا يجد في ذهنه ما يكملها.
فجميع أنواع الحلول ذات الصيغة الاجتماعية التي نقبسها عن بلاد أخرى ثبتت لها فيها صلاحيتها، تشبه الصيغة الكيميائية المشار إليها، هي صحيحة في هذه البلاد على وجه التأكيد، ولكنها تقتضي عند التطبيق عناصر مكملة لا تأتي معها، ولا يمكن أن تأتي معها، لأنه لا يمكن حصرها. ولا يمكن فصلها عن المحيط الاجتماعي في بلادها، أي لا يمكن فصلها عن (روحها).
وإذن، فلكي نواجه بطريقة فنية أية مشكلة اجتماعية، ينبغي ألا يقتصر عملنا على اقتراض الحلول التي تأكدت صحتها خارج بلادنا، إذ أن الصيغة المقتبسة صحيحة بلا أدق شك، ولكن في إطارها الاجتماعي، في محيطها الذي تَخَلَّقَتْ فيه، في نفحة (الروح) التي تخيلتها.
هل معنى ذلك أن ندين كل اقتباس؟ ..
ليس أوهن ولا أضعف من أن نرفض الاستنارة بتجارب الآخرين،