للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك فمن السهل أن نقوم ببعض الملاحظات لأشياء كثيرة الوقوع، لنوجه خطانا في الموضوع.

فيمكن أن نلاحظ مثلاً التأثير العظيم للحقيقة الإسلامية على الحضور الذين يشهدون صلاة الجمعة، وينصتون إلى خطبتها عند قدمي المنبر في المساجد.

إن كلمات الإمام التي تهبط من المنبر على هذا المستمع المنصت تزلزل كيانه.

وكثيراً ما رأينا في جوانب المسجد أحد المصلين ذائباً في دموعه، بل لقد نرى الإمام نفسه، وقد خنقته شهقاته وانفعالاته.

ومع ذلك فإذا ما قضى هذا المستمع صلاته، بقيت (الحقيقة) التي زلزلت كيانه في المسجد، ولم تتبعه إلى الشارع.

فالمسلم حين يتخطى عتبة المسجد ينتقل إذن من حال إلى حال أخرى. وهذا يضطرنا إلى أن نسجل ملاحظتنا: إن هناك انفصالاً بين العنصر الروحي والعنصر الاجتماعي، هناك افتراق بين المبدأ والحياة.

والمسلم يعيش اليوم هذا الانفصال الذي يمزق شخصه شطرين: شطر ينظم سلوكه في المسجد، وشطر ينظمه في الشارع.

إن المسلم يخضع لنظام يشبه إلى حد كبير (الدش الاسكتلندي) (١) فهو يتعرض لأشد التأثيرات النفسية تعارضاً، فإذا ما تخطى عتبة المسجد يوم الجمعة فإنه يشعر بدفء في قلبه، ودفء في نفسه. ولكنه بمجرد أن يضع قدمه في الشارع يعاوده البرد فيحتل قلبه ونفسه. إنه يسمع عند قدمي المنبر مثلاً موعظة في فضائل رمضان، ولكنه منذ يعود إلى بيته يستمع في الراديو إلى العرض الأسبوعي لرئيس إحدى الدول الإسلامية، يحرض خلاله المواطنين في بلاده أن


(١) هذا التعبير يطلق على تقاليد الاسكتلنديين في استخدام (الدش)، لأنهم يصبون منه ماء ساخناً، يتبعونه بماء بارد.

<<  <   >  >>