ولكي نعطي لهذه المأساة تعبيرها الحديث الروماني نقول: إن المسلم يعيش اليوم تارة في حالة الدكتور جيكل، الذي يجسد تفوق الشخص على (الأنا)، وتارة في حالة مستر هايد الذي يجسد رذائل الفرد (١).
فالمجتمع مضطر أن يستعير من الطبيعة، أعني من غرائز الفرد طاقته الحيوية اللازمة لأداء نشاطه المشترك في التاريخ.
ولكن الطاقة الحيوية قد تهدم المجتمع ما لم يسبق تكييفها، أعني ما لم تكن خاضعة لنظام دقيق تمليه فكرة عليا، تعيد تنظيم هذه الطاقة، وتعيد توجيهها فتحولها من طاقة ذات وظائف بيولوجية خالصة في المقام الأول - حيث تشترك في حفظ النوع- إلى طاقة ذات وظائف اجتماعية يؤديها الإنسان، حين يسهم في النشاط المشترك لمجتمع ما.
فالمشكلة التي نواجهها هنا إذن ذات جانبين: جانب اجتماعي وجانب نفسي. وقد أرتنا أوجه التعارض السالفة أنه لكي نعالجها من كلا جانبيها يجب أن تكون لدينا (فكرة) عليا، تصل ما بين الروحي والاجتماعي، وتجري من جديد تركيب الشخص المسلم تركيباً يجعله يتماثل مع ذاته، في المسجد وفي الشارع.
ولقد أكدت الفكرة الإسلامية فيما مضى صلاحيتها في بناء مجتمع استطاع أن يؤدي نشاطه المشترك بطريقة بالغة التوفيق.
لقد أخضعت هذه الفكرة الطاقة الحيوية لدى البدوي العربي لنظامها الدقيق، فجعلت منه إنساناً متحضراً ومحضراً. والأمثلة كثيرة على أن هذه الفكرة
(١) هذه إشارة إلى قصة أوسكار وايلد المشهورة، وهي قصة عالم طبيب يطبق على نفسه طرقاً عملية تنتهي بتحليل ذاته إلى سخصيتين: شخصية الوحش المجرم في شخص مستر هايد، وشخصية العالم الفاضل في الدكتور جيكل.