عن وجهها تماماً. وهنا تنتهي الوظيفة الاجتماعية للفكرة الدينية، وتعود الأشياء كما كانت في مجتمع منحل، ضرب نهائياً في ليل التاريخ، وبذلك تتم دورة في الحضارة.
هذه الدورة الكاملة تضيء لنا جميع المراحل التي تمر بها الطاقة الحيوية خلال حضارة، ولكنها تضيء خاصة المرحلة الأولى، عندما تخضع خضوعاً تاماً لنظام فكرة دينية.
وهي ترينا في أي الظروف تتم عملية التنظيم لتلك الطاقة الحيوية، في ظل سيطرة الفكرة الدينية. وهذه النظرة أساسية في أي مشروع يستهدف إعادة تنظيم الطاقة، بغية إعادة بناء شبكة علاقات معينة.
فإعادة التنظيم تستلزم الظروف نفسها، أعني فكرة دينية جديدة. ولقد برهنت تجربتنا اليومية على أمرين:
١ - إن الفكرة الاسلامية لم يعد لها في سلوك الفرد ما كان لها من فاعلية على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - وأنها تستعيد خلقها بصورة تلقائية عند قدمي المنبر، في محيط المسجد.
ونستخلص من الملاحظة الأولى أن المسلم لا يحتفظ باستقلاله الأخلاقي، ابتداء من اللحظة التي يغادر فيها المسجد، فهو يسقط تحت سطوة قانون العدد. وبدلاً من أن يؤثر على الوسط طبقاً لمثله الأعلى ومبادئه، نجد أن الوسط هو الذي يؤثر عليه، فيجرده من مثله الأعلى، ويهدم مبادئه.
وقد تبرز هذه الملاحظة أحياناً بصورة روائية مؤسية، عندما نجد أحد قادة الحركة الإصلاحية في بلد إسلامي، كالشيخ العقبي بالجزائر، يبذل جهده في دفع حركة كهذه خلال أعوام طويلة، ثم إنه يفقد استقلاله الأخلاقي ليصبح نهائياً