وفي هذه المرحلة أيضاً لا يهتم أحد بالمشكلات الواقعية، كما كان يفعل أئمة الفقه الإسلامي، بل يكون الاهمام منصباً على مشكلات خيالية، على ما كان عليه فقهاء (عصر الانحطاط)، حيث لم يعودوا يكبون على المشكلات التي يثيرها نمو المجتمع، بل على حالات (خيالية محضة) كالبحث في جنس الملائكة، أو كالتوضؤ من وطء البهيمة.
وبوسعنا أن نتخيل ما كان يمكن أن يحدث- في مجتمع مريض- لو أن خليفة من طراز عمر بن الخطاب أراد أن يعزل رجلاً كخالد بن الوليد من قيادة جيش الشام!! إن محاولة كهذه كانت كفيلة بزلزلة العالم الإسلامي لو أنها حدثت بعد ذلك بقرنين أو ثلاثة قرون فحسب.
ولكن (الأنا) الإسلامية كانت في العهد الأول سليمة سوية، فكان (فعل) عمر دون عقدة، وكان (رد فعل) خالد دون عقدة أيضاً. لأن علاقاتهما كانت علاقات سوية منزهة.
ومن الوقت الذي تظهر فيه العقد النفسية على صفحة (الأنا) في مجتمع معين، يغدو عمله الجماعي صعباً أو مستحيلاً. وهنا يحق لنا أن نطلق على هذه الحالة (مأساة اجتماعية Socio-drame) على ما ذهب إليه (مورينو)(١). وهي مأساة اجتماعية في مستوى: ن (ن - س) من علاقات اجتماعية.
وعلى هذا، فإذا ما درسنا أمراض مجتمع معين، من مختلف جوانبه الاقتصادية والسياسية والفنية .. الخ .. فإننا ندرس في الواقع أمراض (الأنا) في هذا المجتمع، وهي الأمراض التي تتجلى في لا فاعملية شبكته الاجتماعية.
وعندما ننسى أو نغفل هذا الاعتبار النفسي فإن حكمنا يكون على ظواهر الأشياء لا على جواهرها.
(١) عالم نفسي يعد مؤسساً للمدرسة الأميركية التي ترى أن العقد النفسية توجد بين الأفراد، على حين ترى مدرسة فرويد أنها موجودة داخل الأفراد.