فإذا تناولنا هذين النصين باعتبارهما وثيقتين من وثائق ذلك العصر، وجدنا أنهما لا تدعان أدنى ريب فيما يتعلق بمنشأ عادة الوأد، فلقد كان للظروف الاقتصادية التي عاشها العصر الجاهلي أكبر الأثر في نشأة تلك العادة الأليمة، إن لم تكن هي العامل الوحيد.
ولكن النصين يعبران في الوقت ذاته عن قيمة خلقية معينة في الوقت الذي تدخل فيه في حياة المجتمع- لا عن طريق الظروف الاقتصادية التي لم تكن تغيرت بعد، ولكن مباشرة، عن طريق النفس- لتحدث تغييره. فنحن إذن أمام مثال مفيد يتيح لنا أن نبحث مشكلة القيمة الخلقية متمثلة في حالة واقعية.
ولنأخذ الآيتين الكريمتين في مجموعهما، على أنهما تشريع لقانون معين، تماماً كما تسن الشرائع الحديثة في زماننا قوانينها.
إن تفسير قانون معين في عصرنا إنما يكون على اعتبار أنه مجرد حدث اجتماعي، أي إن الذي يسنه إنما هو حقائق المجتمع وحدها.
فهل الأمر كذلك بالنسبة للحالة التي ندرسها؟.
ذلك يقتضينا أن ندرس الآيتين اللتين تشرعان (قانون) الموءودة، على أنهما نتيجة للظروف الاقتصادية التي كات تسود المجتمع الجاهلي، تمشياً مع منطق عصرنا في تفسير الأشياء.
لكنا نلاحظ أن هذا التفسير يؤدي بنا تلقائياً إلى تناقض صريح، إذ لا يمكن أن يحمل إثبات واقع اجتماعي معين ونفي هذا الواقع على أسباب واحدة.