للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلو قيل إن (الوأد) نشأ في البيئة الجاهلية بتأثير أسباب اقتصادية خاصة بذلك المجتمع، كما تشهد بذلك وثائق العصر، وفي مقدمتها القرآن، فإن من العسر أن ينسب نفي هذا الوأد إلى تأثير العوامل الاقتصادية ذاتها ما دامت لم تتغير.

وإذا كانت الآيتان المذكورتان تعدان من الناحية التاريخية إبطالاً (للوأد) فإننا نجد أنفسنا أمام تناقض صريح إذا ما فسرنا (قانون) الوأد تفسيراً اقتصادياً.

ولقد يؤدينا هذا الموقف إلى أن نفسره تفسيراً نفسياً، حين نعزوه لأسباب تتصل بالتغيير الأخلاقي الذي سبق أو صاحب نزول القرآن في الوسط الجاهلي، ومع ذلك فليس هذا التغيير مقبولاً أيضاً، لأن الذين عاصروا قانون التحريم المذكور قد مارسوا بأنفسهم تلك العادة الأليمة. وحسبنا أن نضيف أن عمر بن الخطاب نفسه كان من بين هؤلاء المعاصرين، حتى يصبح التفسير النفسي التلقائي غير ذي موضوع أو قيمة، شأن التفسير الاقتصادي.

والحق أن عادة وأد البنات كانت ثابتة في عقلية العصر، وأن هذه العقلية في ذاتها لم تتغير عند نزول قانون التحريم، فلقد ذكر مؤلف الأغاني قصة عن جد الفرزدق الشاعر العربي الكبير، الذي لقب (محيي الموءودات) لقاء ما كان يبذله من فضل في هذا السبيل (١).

ولكننا نجد في هذه القصة شهادة غير مباشرة على ما نحن بصدده، فالواقع أنها تضيف أن جد الشاعر الأموي، عندما أقدم على إنقاذ أول ضحية من الموت بأن دفع لأبويها فدية- أراد أن يسوغ لنفسه هذا السلوك فقال: ((هذه مكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب))، فلو أننا لمسنا في هذه القولة معناها التاريخي


(١) أورد هذه القصة السيد بشير العوا في كتابه القيم (االأسرة بين الجاهلية والاسلام) [ص:٦٣].

<<  <   >  >>