لعلمنا أن شيئاً ما لم يكن قد تغير بعد في الوسط وفي العقلية الجاهلية، فيما يتعلق بمسألة الموءودة إبان نزول قانون التحريم.
وعليه، فإن القيمة الخلقية التي عبر عنها هذا القانون لا يمكن أن تكون على أية حال ثمرة من ثمرات المجتمع الجاهلي.
فلكي نعمم هذه النتيجة ينبغي أن نضع السؤال التالي:
هل يمكن لمجتمع معين أن ينتج قيمه الخلقية؟
وهنا ايضاً يستطيع المجتمع الجاهلي ان يعطينا مثالاً نحتذيه في وضع إجابتنا عن هذا السؤال، إن لم يكن له أن يعطينا مفتاحاً للمشكلة في صورتها العامة.
فالحق أن هذا المجتمع قد شهد وجوه حياته تتغير فجأة بتأثير بعض القيم الخلقية التي شهد مولدها.
وهو إلى جانب ذلك يتيح لنا أن نعقد موازنة بين هذه الحقبة من التغيير وبين ما مضى من تاريخه، وهذا التاريخ يمتد في الواقع أكثر من ألفي عام، أبتداء من الجد الأكبر إسماعيل حتى محمد عليهما الصلاة والسلام.
ولقد أثمر هذا التاريخ الطويل فناً شعبياً غنياً، وخلف تراثاً أدبياً لا نظير له بين آداب الأمم الأخرى. وتلك هي القائمة التاريخية للمجتمع الجاهلي خلال تلك الحقبة من الزمان.
ولو استخدمنا لغة علم الاجتماع لقلنا: إن هذا هو كل ما أثمره المجتمع الجاهلي، كثمرة نشاط استقطب حول (الحاجة) و (المنفعة).
وبذلك نلاحظ أولاً أن هذا المجتمع لم ينتج في جلته كثيراً، ما دام نشاطه قد استقطب على تلك الصورة، أي ما دام لم يخضع إلا لاتجاهات الحياة اليومية وقواعدها.