هذه القواعد هي ثوابت التاريخ، تلك التي لا يغيرها الزمن على حين يغير المجتمعات. إن نهضة مجتمع ما تتم في الظروف العامة نفسها التي تم فيها ميلاده، كذلك يخضع بناؤه وإعادة هذا البناء للقانون نفسه.
هذا القانون هو الذي عبر عنه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن بلغة أخرى حين قال:«لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها».
وهو أيضاً القانون العام الذي حاولنا تصويره في الرسم البياني السابق، ولعلنا نستطيع الآن إدراكه على وجه التحديد.
وربما أدركنا خاصة معنى (القيم النفسية- الزمنية) التي أشرنا إليها ببعض أضلاع الرسم المذكور: فهي تمثل درجة النمو في شبكة العلاقات، والمستوى الاجتماعي في نظام الأفعال المنعكسة في مجتمع معين، في لحظة معينة من تاريخه.
وكل مرحلة من المراحل الثلاث في الرسم البياني المذكور يمكن الآن أن تستبين في علاقتها بهذين المصطلحين.
فمثلاً، المرحلة (الروحية)(وهي المرحلة الأولى في الرسم البياني) يمكن أن نفسر بطريقتين، تفسر أولاً بلغة علم الاجتماع حين نقول: إنها تتفق مع شبكة العلاقات الاجتماعية حين تكون في أكثف حالاتها، لا في أكثرها امتداداً، هذه الكثافة هي ما توحي به عبارة (البنيان المرصوص) في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: ٦١/ ٤].
ويمكننا أيضاً أن نفسر هذه المرحلة بلغة علم النفس حين نقول: إنها تتفق مع المرحلة التي يكون الفرد خلالها في أحسن ظروفه، أعني الظروف التي يكون فيها نظام أفعاله المنعكسة في أقصى فاعليته الاجتماعية، وتكون طاقته الحيوية أيضاً في أتم حالات تنظيمها.