للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا هو العصر الذهي بالنسبة لأي مجتمع، لا من أجل أنه يبلغ آنئذٍ أوج ازدهاره، وإنما لأنه يتمتع بميزتين: فقواه جميعاً في حركة، وهذه الحركة دائمة صاعدة.

وهذه هي المرحلة الديناميكية التي يدان فيها كل اتجاه نحو التقاعس أو السكون، وهو ما حدث في تاريخ المجتمع الإسلامي الناشئ في قصة (الثلاثة الذين خلفوا) المشهورة.

أما في المرحلة التالية (المرحلة الثانية في الرسم البياني) فإن المجتمع يتمتع بشبكة علاقاته الاجتماعية، حين تكون في أكثر حالاتها سعة وامتداداً، ولكن حين تكون أيضاً بعض الشوائب قد طفت على وجهه، وبعض النقائص قد برزت في صورته: وهذه- مثلاً- هي الحالة التي كان عليها المجتمع العباسي، عندما ظهرت مملكة الأغالبة في المغرب، في إفريقية الشمالية، وحين بدأت النزعة الشعوبية في الظهور في المشرق، في بلاد فارس.

ومعنى هذا بلغة علم النفس أن نظام الأفعال المنعكسة في المجتمع الإسلامي قد تعرض لصدمة (صدمة صفين)، تعرّضاً لم يعد معه الفرد المسلم يتصرف في كل طاقاته الحيوية، وهو يباشر وظيفته الاجتماعية، أعني إن جانباً من غرائزه لم يعد تحت رقابة نظام أفعاله المنعكسة.

وفي هذه المرحلة يواصل المجتمع نموه بفضل السرعة المكتسبة، ولكن قواه لا تكون جميعها في نطاق الحركة، وما كان منها في حركة قد لا يكون على الطريق الصاعدة: فهناك جانب من الطاقة مضى إلى السكون، وهو ما يمكن أن نمثل له في التخطيط الإسلامي بحركة المرجئة، ومضى جانب آخر إلى الهاوية، كحركة القرامطة: فمجموع من الطاقات لم يعد يعمل، ومجموع آخر يعمل في اتجاه مضاد، وبعبارة أصح: ضد المثل الأعلى للمجتمع.

وفي المرحلة الثالثة، تتفكك الغرائز، فلا تعود تعمل بشكل منسجم

<<  <   >  >>