الهجوم، فهذه التقاليد هي التي تقدم تفسير الهجوم، بل تمنحه صفة الشرعية، حتى كأنه أمر عادي تماماً، فتؤكد أنه لا يوجد ثمة هجوم، وإنما مجرد وهم وخيال.
وهكذا يتم تمويه الإحساس النقدي بالمعركة، وينتهي الموقف بتأثير نوع من التيه العقلي الذي يدعى أنه سعة في العقل وتسامح، ينتهي بالتغاضي عن كل شيء، وبالتفريط في كل شيء، لأن التقاليد ضد الاجتماعية تشلنا من النواحي العقلية والقانونية والإدارية.
ومن الواضح مثلاً أن أية رسائل ذات أهمية معينة سياسية أو ثقافية، هي بسبب هذا جزء لا يمكن إهماله من شبكة العلاقات الاجتماعية في بلد ما.
وينتج عن هذا أن مثل هذه الرسائل تهم الاستعمار. فلنفترض الآن أنك أبديت دهشتك ذات يوم، سواء لأن بريدك لم يصل إلى من أرسل إليهم أم لأن أي بريد لم يعد يصلك.
أتدهش من ذلك؟ .. ، هذا أمر لا يجوز .. وها هو ذا أحدهم يتطوع ليشرح لك أن الأمور تجري بصورة عادية، وأن غير العادي هو أنت!! لأنك تدهش!!
ولسوف يتخذ أحد التقاليد ضد الاجتماعية شاهداً على ما يقول، سيقول لك مثلاً: إن شخصية كبيرة معينة لم تتسلم ذات مرة برقية مرسلة إليها، فعادت إلى المرسل مع ذكر أن (العنوان مجهول).
ويقول لك إن الصحافة ذكرت هذا. ولسوف تتذكر فجأة أنك قرأته فعلاً في إحدى الصحف الكبرى، فلن تجرؤ بعد ذلك على أن تقول شيئاً. وبهذا لا يكونون قد صادروا بريدك فحسب، بل يكونون قد ألغوا في الوقت ذاته إحساسك النقدي بتفصيل من تفاصيل الحياة اليومية، وهو جدير أن يبحث في ضوء آخر، في نطاق مشروع التخريب الاستعماري.