للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ففي هذا الضوء الآخر، وفي هذا النطاق، يمكن أن يأخذ هذا العمل تفسيراً مختلفاً: إذ يمكن أن يحدث عمداً، بوساطة موظف ضعيف تختفي المؤامرة وراء ضعفه، أو يكون هو ذاته شريكاً فيها، وكل هذا من أجل خلق تقليد معادٍ للمجتمع، أعني أساساً لتفسير يخلع صفة الشرعية على جميع ضروب التخريب المستقبلية.

وفي هذه الحالة، يتمثل التقليد المعادي للمجتمع في سابقة، مجرد تفصيل يومي، يرتفع إلى مستوى مفتاح للتفسير، إذ هو يمثل لنا هذه الألاعيب على أنها أمور عادية كثيرة الوقوع (١).

وفي حالات أخرى تستخدم أوضاعنا العقلية مفتاحاً لهذا التفسير، فلو فرضنا مثلاً أن إجراء عاماً لحماية القطن لم ينفذ، فلسوف يفسرون ذلك بكل بساطة على أن مرده إلى (الروتين)، أعني إلى تقليد معادٍ للمجتمع، تقليد مستورد، وأسيء استيراده، إذ أن هذه الكلمة في موطنها تعني من الوجهة الاشتقاقية أن يوضع شيء في (الطريق ROUTE) ، والطريق الإداري العادي يمكن في الواقع أن يشتمل على بعض أشكال البطء، وهو مع هذا يبقى في نطاق توقيت مقدر وإن طال.

اما في بلادنا فقد تغير معنى الكلمة، فأصبح مرادفاً لعبارة (الطريق المسدود)، أي الوضع الذي تتجمد فيه الحركة الإدارية تجمداً لا تصبح معه المسألة مسألة توقيت قصير الأجل، أو طويل الأجل.


(١) واجهت أنا نفسي ذات يوم هذا الموقف، فقد وجدتني مضطراً أن أوجه بياناً إلى أربع صحف مختلفة راجياً إياها نشره، لأنه يتعلق بالدفاع عن شبكة العلاقات الثقافية ضد التخريب الاستعماري، ولكن البيان لم ينشر، ولم يكن أمامي سوى فرضين:
١ - إذا لم يكن البيان قد وصل إلى الصحف فتلك كارثة.
٢ - إذا لم تكن الصحف قد أرادت نشره، فذلك ادهى وأمر.

<<  <   >  >>