للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما لاجتماعهما وكثرة الاستعمال، وكان القياس أن تخفّف الثانية فتكون واوا فيقال أوكل كما يقال: أوجر فلان من الأجر، فلمّا حذفت الهمزة الثانية استغني عن الأولى فقيل: كلي، وحذفت النون لأن الفعل غير معرب وللجزم عند الكوفيين وكذا واشربي وقرّي. قال الأصمعي: قررت به عينا، مشتقّ من القرّ أي بردت عيني فلم تدمع فتسخن، وقال أبو عمرو الشيباني: هو من قررت في المكان أي قرّت عيني فنامت ولم تسهر، وقيل: معناه قررت أي هدأت لمّا نلت ما كنت متطلعا إليه. فَإِمَّا تَرَيِنَّ في موضع جزم بالشرط. والأصل فإما تريي، زيدت النون توكيدا، وصلح ذلك في الخبر لدخول «ما» ، وحكى سيبويه «١» ، «بألم ما تختننّه» «٢» ولو نطق به بغير نون لكان «فإما ترى» فلمّا زدت النون رددته إلى أصله وكسرت الياء لالتقاء الساكنين، وكانت الكسرة أولى للفرق بين المذكّر والمؤنّث ثم خفّفت الهمزة فألقيت حركتها على الراء وحذفت فصار ترين. فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا مشتق من آنس إذا علم وأبصر، والانسيّ مبصر معلوم به والجمع «أناسي» ، تزاد الألف ثالثة، كما يعمل في المجموع فتقول: بختيّ وبخاتيّ وذلك كثير معروف.

[[سورة مريم (١٩) : آية ٢٧]]

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧)

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ في موضع الحال.

[[سورة مريم (١٩) : آية ٢٨]]

يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)

يا أُخْتَ هارُونَ نداء مضاف. والأصل أخوة يدلّ على ذلك أخوات وقال محمد بن يزيد: حذفت الواو فرقا بين المتشبّث وغير المتشبّث. ولا نعلم أحدا سبق أبا العباس إلى هذا القول مع حسنه وجودته. وزعم الفراء أنه إنما ضمّت الهمزة في قولهم أخت وكسرت الباء في قولهم: بنت للفرق بين ما حذفت منه الواو وبين ما حذفت منه الياء فالضمة علم الواو والكسرة علم الياء. وذكر محمد بن يزيد أن هذا القول خطأ.

قال أبو جعفر: في قوله: «يا أخت هارون» قولان للعلماء: أحدهما أن هارون كان رجلا صالحا فقالوا يا أخت هارون أي يا شبيهته في الصّلاح، وإنما المؤمنون إخوة من هذا، وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه. وروى جعفر عن سعيد بن جبير أنه كان رجل فاسق يقال له هارون فقالوا لها: يا أخت هارون. قال أبو جعفر: والقول الأول أولى لأن فيه حديثا مسندا.


(١) انظر الكتاب ٣/ ٥٨٠. [.....]
(٢) ورد المثل في خزانة الأدب ١١/ ٤٠٣، ومجمع الأمثال ١/ ١٠٧، والمعنى: لا يكون الختان إلا بألم، أي إنّ الخير لا يدرك إلا باحتمال المشقّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>