وهذا كثير من أمثال القرآن بل عامتها ترد على هذا النمط، ثم ختم الآية باسمين من أسمائه الحسنى مطابقين لسياقها وهما الواسع العليم فلا يستبعد العبد هذه المضاعفة ولا يضيق عنها عطفه فإن المضاعف واسع العطاء واسع الغني واسع الفضل ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته ويمنعه من ليس من أهله بحكمته وعلمه. ثم
هذا بيان للقرض الحسن ما هو؟ وهو أن يكون في سبيله أي في مرضاته والطريق الموصلة إليه ومن أنفعها سبيل الجهاد، وسبيل الله خاص وعام، والخاص جزء من السبيل العام وأن لا يتبع صدقته بمن ولا أذى، فالمن نوعان.
أحدهما: منّ بقلبه من غير أن يصرح له بلسانه وهذا إن لم يبطل الصدقة فهو من نقصان شهود منة الله عليه في عطائه المال وحرمان غيره وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه فلله المنة عليه من كل وجه. فكيف يشهد قلبه منة لغيره؟.
والنوع الثاني: أن يمن عليه بلسانه فيعتدي على من أحسن إليه بإحسانه ويريه أنه اصطنعه وأنه أوجب عليه حقا وطوقه منة في عنقه فيقول:
أما أعطيتك كذا وكذا؟ ويعدد أياديه عنده، قال سفيان: يقول: أعطيتك فما شكرت. وقال عبد الرحمن بن زياد «١» : كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلا
(١) هو شيخ أفريقية وقاضيها وأول من ولد بها من المسلمين عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني الأفريقي الزاهد الواعظ، روي عن أبي أبي عبد الرحمن الجبلي وطبقته وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام حسن وليس بقوي في الحديث توفي سنة ست وخمسين ومائة (انظر شذرات الذهب) .