تأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين. فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا، يوصل إلى عابديه النفع، ويدفع عنهم الضر فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضي شركة الإله الآخر معه، بل إن قدر على قهره والتفرد بالالهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه، وذهب به، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بمماليكهم، إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر، والعلو عليه. فلا بد من أحد أمور ثلاثة: وإما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه. وإما أن يعلو بعضهم على بعض. وإما أن يكونوا كلهم تحت قهر إله واحد، يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، ويمتنع من حكمهم ولا يمتنعون من حكمه. فيكون وحده هو الإله الحق، وهم العبيد المبوبون المقهورون.
وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم لا يختلف، ولا يفسد. من أدل دليل على أن مدبره واحد، لا إله غيره كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد، لا رب غيره.
فذلك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في الغاية والألوهية.
فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان كذلك يستحيل أن يكون له إلهان معبودان.