ومن تأمل حسن موقع «كلا» في هذا الموضع، فإنها تضمنت ردعا لهم، وزجرا عن التكاثر، ونفيا وإبطالا لما يؤملونه، من نفع التكاثر لهم، وعزتهم وكمالهم به، فتضمنت اللفظة نهيا ونفيا، وأخبرهم سبحانه أنهم لا بد أن يعلموا عاقبة تكاثرهم علما بعد علم، وأنهم لا بد أن يروا دار المكاثرين بالدنيا التي ألهتهم عن الآخرة رؤية بعد رؤية، وأنه سبحانه لا بد أن يسألهم عن أسباب تكاثرهم: من أين استخرجوها؟ وفيم صرفوها؟.
فلله ما أعظمها من سورة، وأجلها وأعظمها فائدة، وأبلغها موعظة وتحذيرا، وأشدها ترغيبا في الآخرة، وتزهيدا في الدنيا على غاية اختصارها، وجزالة ألفاظها وحسن نظمها. فتبارك من تكلم بها حقا وبلغها رسوله عنه وحيا.
[فصل]
وتأمل كيف جعلهم عند وصولهم إلى غاية كل حي زائرين غير مستوطنين، بل هم مستودعون في المقابر مدة، وبين أيديهم دار القرار. فإذا كانوا عند وصولهم إلى الغاية زائرين، فكيف بهم وهم في الطريق في هذه الدار؟ فهم فيها عابرو سبيل إلى محل الزيارة، ثم منتقلون من محل الزيارة إلى المستقر.
فهنا ثلاثة أمور: عبور السبيل في هذه الدنيا، وغايته زيارة القبور، وبعدها النقلة إلى دار القرار.