السير حتى ينتهي سيره: فإن رأيت العلماء رأيته معهم. وإن رأيت العباد، رأيته معهم. وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم. وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم. وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم، فهذا هو العبد المطلق، الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه، وما فيه لذتها وراحتها من العبادات. بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه، فهذا هو المتحقق بإياك نعبد وإياك نستعين حقا، القائم بهما صدقا. ملبسه ما تهيأ، ومأكله ما تيسر، واشتغاله بما أمر به في كل وقت بوقته، ومجلسه حيث انتهى ووجده خاليا، لا تملكه إشارة، ولا يتعبده قيد، ولا يستولي عليه رسم، حر مجرد، دائر مع الأمر حيث دار، يدين بدين الأمر أنّى توجهت ركائبه «١» ، ويدور معه حيث استقلت مضاربه يأنس به كل محق، ويستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها. وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله، والغضب إذا انتهكت محارم الله، فهو لله وبالله ومع الله، قد صحب الله بلا خلق، وصحب الناس بلا نفس. بل إذا كان مع الله عزل الخلائق من البين وتخلى عنهم، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها، فواها له. ما أغربه بين الناس، وما أشدّ وحشته منهم، وما أعظم أنسه بالله وفرحه به، وطمأنينته وسكونه إليه!! والله المستعان. وعليه التكلان.
[فصل]
ثم للناس في منفعة العبادة وحكمتها ومقصودها طرق أربعة. وهم في ذلك أربعة أصناف.
(١) الركاب: الإبل التي يسار عليها الواحدة راحلة ولا واحد لها من لفظها، والرّكاب جميع راكب.