تأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بالكمال، والنعمة التي أسبغها عليهم بالتمام إيذانا في الدين بأنه لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل، ولا شيء خارجا عن الحكمة بوجه، بل هو الكامل في حسنه وجلالته ووصف النعمة بالتمام إيذانا بدوامها واتصالها، وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها بل يتمها لهم بالدوام في هذا الدار وفي دار القرار.
وتأمل حسن اقتران التمام بالنعمة وحسن اقتران الكمال بالدين، وإضافة الدين إليهم، إذ هم القائمون به المقيمون له. وأضاف النعمة إليه إذ هو وليها ومسديها والمنعم بها عليهم، فهي نعمة حقا، وهم قابلوها.
وأتى في الكمال باللام المؤذنة بالاختصاص، وأنه شيء خصوا به دون الأمم.
وفي إتمام النعمة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والإحاطة فجاء «أتممت» في مقابلة أَكْمَلْتُ و «عليكم» في مقابلة لَكُمْ و «نعمتي» في مقابلة دِينِكُمْ وأكد ذلك وزاده تقريرا وكمالا وإتماما للنعمة بقوله ٥: ٣ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.
وأما عدم مشيئته سبحانه وإرادته، فكما قال تعالى: ٥: ٤١ أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ وقال وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً وعدم مشيئته للشيء مستلزم لعدم وجوده، كما أن مشيئته تستلزم وجوده. فما شاء الله وجب وجوده، وما لم يشأ امتنع وجوده وقد أخبر سبحانه أن العباد لا يشاءون إلا بعد مشيئته، ولا يفعلون شيئا إلا بعد مشيئته فقال وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وقال وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
فإن قيل: فهل يكون الفعل مقدورا للعبد في حال عدم مشيئة الله له أن يفعله؟.