جريج: أمر أن يذكره في الصدر بالتضرع والاستكانة دون رفع الصوت أو الصياح. وقد تقدم
حديث أبي موسى:«كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال: يا أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» .
وتأمل كيف قال في آية الذكر: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وفي آية الدعاء: ٧: ٥٥ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً فذكر التضرع فيهما معا. وهو التذلل والتمسكن والانكسار، وهو روح الذكر والدعاء. وخص الدعاء بالخفية لما ذكرنا من الحكم وغيرها. وخص الذكر بالخيفة لحاجة الذاكر إلى الخوف، فإن الذكر يستلزم المحبة ويثمرها ولا بد. فمن أكثر من ذكر الله أثمر له ذلك محبته والمحبة ما لم تقرن بالخوف، فإنها لا تنفع صاحبها بل قد تضره. لأنها توجب الإدلال والإنبساط، وربما آلت بكثير من الجهال المغرورين إلى أنهم استغنوا بها عن الواجبات وقالوا:
المقصود من العبادات إنما هو عبادة القلب وإقباله على الله ومحبته له وتألهه له. فإذا حصل المقصود فالاشتغال بالوسيلة باطل. ولقد حدثني رجل أنه أنكر على رجل من هؤلاء خلوة له ترك فيها حضور الجمعة فقال له الشيخ:
أليس الفقهاء يقولون إذا خاف على شيء من ماله فإن الجمعة تسقط عنه؟
فقال له بلى. فقال له فقلب المريد أعز عليه من ضياع عشرة دراهم، أو كما قال. وهو إذا خرج ضاع قلبه فحفظه لقلبه عذر مسقط للجمعة في حقه.
فقال له: هذا غرور بل الواجب عليه الخروج إلى أمر الله وحفظ قلبه مع الله.
فالشيخ المربي العارف يأمر المريد بأن يخرج إلى الأمر ويراعي حفظ قلبه، أو كما قال.
فتأمل هذا الغرور العظيم كيف آل بهؤلاء إلى الانسلاخ عن الإسلام، جملة فإن من سلك هذا المسلك انسلخ عن الإسلام العام كانسلاخ الحية من قشرها، وهو يظن أنه من خاصة الخاصة. وسبب هذا عدم اقتران الخوف من