قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتى بالموت ملبّبا، فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطّلعون خائفين. ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة. فيقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقول هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الذي وكّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السور، قم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت» رواه النسائي والترمذي
، وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا الكبش والأضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل، كما أخطأ فيه بعض الناس خطأ قبيحا. وقال: الموت عرض والعرض لا يتجسم، فضلا عن أن يذبح.
وهذا لا يصح. فإن الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح، كما ينشئ من الأعمال صورا يثاب بها صاحبها ويعاقب، والله تعالى ينشئ من الأعراض أجساما تكون الأعراض مادة لها. وينشئ من الأجسام أعراضا، كما ينشئ سبحانه من الأعراض أعراضا. ومن الأجسام أجساما.
فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تعالى، ولا يستلزم جمعا بين النقيضين، ولا شيئا من المحال، ولا حاجة إلى تكلف من قال: إن الذبح لملك الموت، فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله، ومن التأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل، وسببه: قلة الفهم لمراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كلامه، فظن هذا القائل: أن لفظ الحديث يدل على أن نفس العرض يذبح.
وظن غالط آخر: أن العرض يعدم ويزول، ويصير مكانه جسم يذبح، ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول الذي ذكرناه، وأن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجساما ويجعلها مادة لها، كما
في الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم قال «تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان- الحديث»