فذكر في أول الآية وحيه إلى نوح والنبيين من بعده، ثم خص موسى من بينهم بالإخبار بأنه كلمه. وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له أخص من مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية. ثم أكده بالمصدر الحقيقي الذي هو مصدر «كلم» وهو «تكليم» رفعا لما توهمه المعطلة والجهمية والمعتزلة وغيرهم من أنه إلهام، أو إشارة، أو تعريف للمعنى النفسي بشيء غير التكليم. فأكده بالمصدر المفيد تحقيق النسبة ورفع توهم المجاز. قال الفراء: العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل. ولكن ما تحققه بالمصدر، فإذا حققته بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، كالإرادة يقال: فلان أراد إرادة، يريدون حقيقة إرادة. ويقال: أراد الجدار، ولا يقال: إرادة. لأنه مجاز غير حقيقة. هذا كلامه. وقال تعالى: ٧: ١٤٣ وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ وهذا التكليم غير التكليم الأول الذي أرسله به إلى فرعون. وفي هذا التكليم الثاني سأل النظر، لا في الأول، وفيه أعطى الألواح. وكان عن مواعدة من الله له. والتكليم الأول لم يكن عن مواعدة. وفيه قال الله له: ٧: ١٤٤ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي أي بتكلمي لك بإجماع السلف.
وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه ناداه وناجاه. فالنداء من بعد والنجاء من قرب. تقول العرب: إذا كبرت الحلقة فهو نداء أو نجاء وقال له أبوه آدم في محاجته «أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده» . وكذلك يقول له أهل الموقف إذا طلبوا منه الشفاعة إلى ربه. وكذلك في حديث الإسراء في رؤية موسى في السماء السادسة أو السابعة، على اختلاف الرواية. قال «وذلك بتفضيله بكلام الله» ولو كان التكليم الذي حصل له من جنس ما حصل لغيره من الأنبياء لم يكن هذا التخصيص به في هذه الأحاديث معنى. ولا كان يسمى «كليم الرحمن» وقال تعالى: ٤٢: