ذلك. فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه، ويعلم كيده وشره. فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب عليم بكيد عدوه، يراه ويبصره، لينبسط أمل المستعيذ، ويقبل بقلبه على الدعاء.
وتأمل حكمة القرآن، كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ «السميع العليم» في الأعراف وحم السجدة. وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يؤنسون ويرون بالأبصار بلفظ «السميع البصير» في سورة حم المؤمن. فقال: ٤٠: ٥٦ إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ، إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر. وأما نزغ الشيطان فوساوس، وخطرات يلقيها في القلب، يتعلق بها العلم. فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها. وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يرى بالبصر، ويدرك بالرؤية. والله أعلم.
السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه. فمن اتقى الله تولّى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: ٣: ١٢١ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عباس «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»
فمن حفظ الله حفظه الله، ووجده أمامه أينما توجه. ومن كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف؟ ومن يحذر؟.
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا. فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه، والتوكل على الله ولا يستطل تأخيره وبغيه. فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جندا وقوة للمبغى عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه. وهو لا يشعر. فبغيه سهام يرميها من نفسه إلى نفسه. ولو رأى المبغى عليه ذلك لسرّه بغيه عليه.
ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي، دون آخره ومآله. وقد قال تعالى: ٢٢: ٦٠ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ