عليه عدوه، فيدعوه إلى الانتقام، ويزينه له. فإن عجز عنه دعاه إلى الإعراض عنه، وأن لا يسيء إليه ولا يحسن، فلا يؤثر الإحسان إلى المسيء إلا من خالفه وآثر الله وما عنده على حظه العاجل. فكان المقام مقام تأكيد وتحريض. فقال فيه: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
وأما في سورة الأعراف: فإنه أمره أن يعرض عن الجاهلين. وليس فيها الأمر بمقابلة إساءتهم بالإحسان، بل بالإعراض. وهذا سهل على النفوس، غير مستعصى عليها. فليس حرص الشيطان وسعيه في دفع هذا كحرصه على دفع المقابلة بالإحسان، فقال: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ. إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وقد تقدم ذكر الفرق بين هذين الموضعين. وبين قوله في حم المؤمن: ٤٠: ٥٦ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وفي صحيح البخاري عن عدى بن ثابت عن سليمان بن صرد قال:«كنت جالسا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ورجلان يستبّان. فأحدهما احمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد. لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد» .
الحرز الثاني: قراءة هاتين السورتين. فإن لهما تأثيرا عجيبا في الاستعاذة بالله من شره ودفعه والتحصن منه. ولهذا
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «ما تعوذ المتعوذون بمثلهما»
وقد تقدم أنه كان يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم، وأمر عقبة أن يقرأ بهما دبر كل صلاة.
وتقدم
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«إن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يمسي، وثلاثا حين يصبح، كفته من كل شيء» .