له على مرضاته: كانت زيادة له في شقوته، وبعده عن الله وطرده عنه، وهكذا كل من استعان به على أمر وسأله إياه، ولم يكن عونا على طاعته، كان مبعدا له عن مرضاته، قاطعا له عنه ولا بد.
وليتأمل العاقل هذا في نفسه وفي غيره، وليعلم أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة كل سائل عليه، بل يسأله عبده الحاجة فيقضيها له، وفيها هلاكه وشقوته، ويكون قضاؤها له من هوانه عليه وسقوطه من عينه، ويكون منعه منها لكرامته عليه ومحبته له، فيمنعه حماية وصيانة وحفظا لا بخلا، وهذا إنما يفعله بعبده الذي يريد كرامته ومحبته، ويعامله بلطفه: فيظن بجهله أن الله لا يحبه ولا يكرمه، ويراه يقضي حوائج غيره، فيسيء ظنه بربه، وهذا حشو قلبه ولا يشعر به، والمعصوم من عصمه الله، والإنسان على نفسه بصيرة، وعلامة هذا: حمله على الأقدار. وعتابه الباطن لها.
كما قيل:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
فو الله لو كشف عن حاصله وسره لرأى هناك معاتبة القدر واتهامه، وأنه قد كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، ولكن ما حيلتي؟ والأمر ليس إليّ، والعاقل خصم نفسه والجاهل خصم أقدار ربه، فاحذر كل الحذر أن تسأله شيئا معينا خيرته وعاقبته مغيبة عنك، وإذا لم تجد من سؤاله بدا، فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة، وقدم بين يدي سؤالك الاستخارة، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة بل استخارة من لا علم له بمصالحه ولا قدرة له عليها، ولا اهتداء له إلى تفاصيلها. ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك، وانفرط عليه أمره. وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال: تسأله أن يجعله عونا على طاعته وبلاغا إلى مرضاته، ولا يجعله قاطعا لك عنه، ولا مبعدا عن مرضاته. ولا تظن أن عطاءه كلّ ما أعطى لكرامة عبده عليه ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه، ولكن عطاءه