أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً؟ أي مهملا. قال الشافعي: لا يؤمر ولا ينهى، وقال غيره: لا يثاب ولا يعاقب، والصحيح: الأمران. فإن الثواب والعقاب مترتب على الأمر والنهي والأمر والنهي هو طلب العبادة وإرادتها، وحقيقة العبادة امتثالهما. وقال تعالى: ٣: ١٩١ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ. فَقِنا عَذابَ النَّارِ وقال ١٥: ٨٥ وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وقال ٤٥: ٢٢ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ.
فأخبر أنه خلق السموات والأرض بالحق المتضمن: أمره ونهيه، وثوابه وعقابه.
فإذا كانت السموات والأرض وما بينهما خلقت لهذا، وهو غاية الخلق، فكيف يقال: إنه لا علة له، ولا حكمة مقصودة هي غايته؟ أو إن ذلك لمجرد استئجار العباد حتى لا ينكّد عليهم الثواب بالمنة، أو لمجرد استعداد النفوس للمعارف العقلية. وارتياضها بمخالفة العوائد؟.
فليتأمل اللبيب الفرقان بين هذه الأقوال، وبين ما دل عليه صريح الوحي يجد أن أصحاب هذه الأقوال ما قدروا الله حق قدره، ولا عرفوه حق معرفته.
فالله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته. مع الخضوع له والانقياد لأمره.
فأصل العبادة: محبة الله، بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله. فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه، كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه، فمحبتنا لهم من تمام محبته، وليست محبة معه، كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحبه.