ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشدّ الركاب، ومنهم من يسعى سعيا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم المخدوش المسلّم، ومنهم المكردس في الناس. فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا، حذو القذّة بالقذة جزاء وفاقا هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير، والسلامة من كل شر.
الموضع السابع: من معرفة نفس المسؤول، وهو الصراط المستقيم.
ولا تكون الطريق صراطا حتى تتضمن خمسة أمور: الاستقامة، والإيصال إلى المقصود، والقرب، وسعته للمارين عليه، وتعيّنه طريقا للمقصود. ولا يخفى تضمن الصراط المستقيم لهذه الأمور الخمسة.
ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم. فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط، تخطفه وتعوقه عن المرور عليه. فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
فوصفه بالاستقامة يتضمن قربه، لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل بين نقطتين. وكلما تعوج طال وبعد. واستقامته تتضمن إيصاله إلى المقصود ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته. وإضافته إلى المنعم عليهم، ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقا.
والصراط: تارة يضاف إلى الله، إذ هو الذي شرعه ونصبه، كقوله تعالى: ٦: ١٥٣ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً وقوله: ٤٢: ٥٢ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: صِراطِ اللَّهِ وتارة يضاف إلى العباد، كما في الفاتحة لكونهم أهل سلوكه. وهو المنسوب لهم. وهم المارون عليه.
الموضع الثامن: من ذكر المنعم عليهم، وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضلال فانقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى الأقسام الثلاثة. لأن العبد إما أن يكون عالما بالحق، أو جاهلا به. والعالم بالحق