للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيِّ: ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ: وَفِي آخِرِهِ: قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى سَمِعُوا كَلامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبِيخًا لَهُمْ. هَذَا حَمْلٌ لِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ: إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَهُمْ هُوَ الْحَقُّ، ثُمَّ قَرَأَتْ: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى [١] الآية.

رجع إلى الخبر عن ابن إسحق: قَالَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ عِنْدَ طَرْحِ أَبِيهِ فِي الْقَلِيبِ، فَفَطَنَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لَهُ: «لَعَلَّكَ دَخَلَكَ فِي شَأْنِ أَبِيكَ شَيْءٌ» ؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ، لَكِنِّي كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلا، فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ لِلإِسْلامِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَخَذَنِي ذَلِكَ، قَالَ: فَدَعَا لَهُ رَسُول الله صلّى الله عليه وسلّم يخير وقال له خيرا [٢] .

وَمَاتَ يَوْمَئِذٍ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى كُفْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ فُتِنَ عَلَى الإِسْلامِ، فَافْتُتِنَ بَعْدَ إسلامه، منهم: من بني أسد: الحرث بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الوليد بن المغيرة، ومن بني جمع: عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: الْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَنَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [٣] ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ مِمَّا جَمَعَ النَّاس فَجَمَعَ، فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ: هُوَ لَنَا، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَطْلُبُونَهُ: لَوْلا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ، نَحْنُ شَغَلْنَا عَنْكُمُ الْعَدَوَّ فَهُوَ لَنَا، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوَّ حِينَ مَنَحَنَا الله أكتافهم، وَلَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ، وَلَكِنَّا خِفْنَا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَّةَ الْعَدُوِّ، فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقِّ بِهِ مِنَّا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَسَّمَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَنِ السواء [٤] .


[ (١) ] سورة النمل: الآية ٨٠.
[ (٢) ] وعند ابن هشام في السيرة عن ابن إسحق بلفظ مقارب لما ذكره ابن سيد الناس (انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٢٩٤) .
[ (٣) ] سورة النساء: الآية ٩٧.
[ (٤) ] وعند ابن هشام: وقال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه: والله لولا نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا

<<  <  ج: ص:  >  >>