للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ، وَبَيْنَ إِيقَافِهَا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقَسَّمُ الأَرْضُ كُلُّهَا، كَمَا قَسَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، لأَنَّ الأَرْضَ غَنِيمَةٌ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى إِيقَافِهَا اتِّبَاعًا لِعُمَرَ، لأَنَّ الأَرْضَ مَخْصُوصَةٌ مِنْ سَائِرِ الْغَنِيمَةِ بِمَا فَعَلَ عُمَرُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي إِيقَافِهَا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النَّاسِ لا شَيْءَ لَهُمْ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إِلَّا قَسَّمْتُهَا سُهْمَانًا، كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ سُهْمَانًا، [١] وَهَذَا يدل على أَرْضَ خَيْبَرَ قُسِّمَتْ كُلُّهَا سُهْمَانًا كَمَا قَالَ ابن إسحق، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ خَيْبَرَ كَانَ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً فَقَدْ وَهِمَ وَغَلِطَ، وَإِنَّمَا دخلت عليه


[ (١) ] قال الإمام الخطابي في معالم السنن: مذهب عمر في تأويل هذه الآيات الثلاث من سورة الحشر: أن تكون منسوقة على الآية الأولى منها، وكان رأيه في الفيء، ألا يخمس كما تخمس الغنيمة، لكن تكون جملته لجملة المسلمين، مرصدة لمصالحهم، على تقديم كان يراه وتأخير فيها وترتيب لها، وإليه ذهب عامة أهل الفتوى غير الشافعي، فإنه كان يرى أن يخمس الفيء، فيكون أربعة أخماس لأرزاق المقاتلة والذرية، وفي الكراع والسلاح وتقوية أمر الدين ومصالح المسلمين، ويقسم خمسة على خمسة أقسام، كما قسم خمس الغنيمة، واحتج بقوله تعالى: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
وكان يذهب إلى أن ذكر الله إنما وقع في أول الآية على سبيل التبرك بالافتتاح باسمه، وإنما هو سهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الحقيقة، وإلى هذا ذهب جماعة من أهل التفسير، قال الشعبي: وعطاء بن أبي رباح:
خمس الله وخمس رسوله واحد، وقال قتادة: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قال: هو لله، ثم بين قسم الخمس خمسة أخماس، وقال الحسن بن محمد بن الحنفية: هذا مفتاح الكلام في الدنيا والآخرة.
قلت: والذي ذهب إليه الشافعي هو الظاهر في التلاوة، وقد اعتبره بآية الغنيمة، وهو قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فحمل حكم الفيء عليها في إخراج الخمس منه، ويشهد له على ذلك أمران أحدهما أن العطف للآخر على الأول لا يكون إلا ببعض حروف النسق، وحرف النسق معدوم في ابتداء الآية الثانية وهي قوله:
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ وإنما هو ابتداء كلام.
والمعنى الآخر أن المسلمين في الآية الآخرة وهي قوله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ لو كانوا داخلين في أهل الفيء، لوجبت أن يعزل حقوقهم، ويترك إلى أن يلحقوا كما يفعل ذلك بالوارث الغائب، والشريك الظاعن، ويحفظ عليه حتى يحضر، ولم يكن يجوز أن يستأثر الحاضرون بحقوق الغيب، إلا أن عمر بن الخطاب أعلم بحكم الآية وبالمراد بها، وقد تابعه عامة الفقهاء ولم يتابع الشافعي على ما قاله. فالمصير إلى قول الصحابي، وهو الإمام العدل المأمور بالاقتداء به في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» أولى وأصوب، وما أحسب الشافعي عاقه عن متابعة عمر في ذلك إلا ما غلبه من ظاهر الآية، وأعوزه من دلالة حرف النسق فيما يعتبر من حق النظم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>