للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا أَدْنَيْتَنِي وَحَمَلْتَ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحسَاءِ

فَشَأْنَكِ فَانْعَمِي [١] وَخَلاكِ ذَمٌّ ... وَلَا أَرْجِعْ إِلَى أَهْلِي وَرَائِي

وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونَا [٢] ... بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيَ الثّوَاءِ

فِي أَبْيَاتٍ [٣] ، فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ بَكَيْتُ، فَخَفَقَنِي بِالدرة وَقَالَ: مَا عَلَيْك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعُ بَيْنَ شِعْبَتَيِ الرَّحْلِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:

يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعمَلاتِ الذُّبَّلِ ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ هديت فانزل

ثُمَّ مَضَى النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتَخُومِ البلقاء جُمُوعُ هِرَقْلَ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مشارفُ، ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبَّأَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ: قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: عَبَايَةُ بْنُ مالك، ويقال: عبادة، ثُمَّ الْتَقَى النَّاسُ فَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم حتى شاط في رماح القوم [٤] ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرُ فَقَاتَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوَّلَ مَنْ عَرْقَبَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله فقاتل، وروى أنه أخذ اللواء بيمينه فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ، فَاحْتَضَنَ الرَّايَةَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَسِنُّه ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ أَوْ أَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ سَنَةً [٥] . ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَتَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ نَزَلَ فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعِرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ: شُدَّ بِهَا صُلْبَكَ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت،


[ (١) ] وعند ابن هشام: فشأنك أنعم.
[ (٢) ] وعند ابن هشام: وجاء المسلمون وغادروني.
[ (٣) ] وبقية الأبيات عند ابن هشام:
وردك كل ذي نسب قريب ... إلى الرحمن ينقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل ... ولا نخل أسافلها رواء
[ (٤) ] أي عرض نفسه إلى رماح القوم حتى قتل شهيدا.
[ (٥) ] وعند ابن هشام: وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>