للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذه من يده، فانتهس منه نهسة [١] ، ثُمَّ سَمِعَ الْحطمَةَ [٢] فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، فَقَالَ:

وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلانِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ [٣] اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، فَقَالُوا:

أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، وَخَاشَى بِهِمْ [٤] ، ثُمَّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ حَتَّى انْصَرَفَ بِالنَّاسِ.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ، أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَحَكَى أَيْضًا أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ عَلَى الرُّومِ. وَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، والمختار من ذلك ما ذكره ابن إسحق مِنَ انْحِيَازِ كُلِّ فِئَةٍ عَنِ الأُخْرَى مِنْ غَيْرِ هَزِيمَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي شِعْرٍ لقيس بن المسحّر اليعمري كذلك [٥] ، وَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِ،

فَأَخْبَرَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وُرُودِ الْخَبَرِ بِأَيَّامٍ. وَقَالَ: «لَقَدْ رَفَعُوا لِي فِي الْجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرَرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَرَأَيْتُ فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بن رواحة أزورا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْتُ: عَمَّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ مَضَى» .

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُثِّلَ لِي جَعْفَرٌ وَزَيْدٌ وَابْنُ رَوَاحَةَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دُرٍّ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَرِيرِهِ، فَرَأَيْتُ زَيْدًا وَابْنَ رَوَاحَةَ فِي أَعْنَاقِهِمَا صُدُودٌ، وَرَأَيْتُ جَعْفَرًا مُسْتَقِيمًا لَيْسَ فِيهِ صُدُودٌ، قَالَ: فَسَأَلْتُ، أَوْ: قيل لي: إنهما حين غشيهما


[ (١) ] وردت في الأصل: فانتهش من نهشه، وما أثبتناه من سيرة ابن هشام، يقال: نهست اللحم أي أخذته بمقدم الأسنان للأكل. قال الأزهري: قال الليث: النهش (بالشين المعجمة) تناول من بعيد، كنهش الحية وهو دون النهس.
[ (٢) ] وهو زحام الناس في الحرب.
[ (٣) ] وعند ابن هشام: فقال: يا معشر المسلمين.
[ (٤) ] أي حاجز بهم.
[ (٥) ] ذكر ابن هشام أن قيس بن المسحر اليعمري قال:
فوالله لا تنفك نفسي تلومني ... على موقفي والخيل قابعة قبل
وقفت بها لا مستجيرا فنافذا ... ولا مانعا من كان حم له القتل
على أنني آسيت نفسي بخالد ... ألا خالد في القوم ليس له مثل
وجاشت إلى النفس نحو جعفر ... بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل
وضم إلينا حجزيتهم كليهما ... مهاجرة لا مشركون ولا عزل

<<  <  ج: ص:  >  >>