للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَنَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ، وَوَحَّدَ اللَّهَ وكبره وقال: لا إله الله وحده، أنجز وعهد، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَدْعُو ثُمَّ يَفْعَلُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ.

فَلَمَّا أَكْمَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ أَمَرَ كُلَّ مَنْ لا هَدْيَ مَعَهُ بِالإِحْلالِ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا، وَأَنْ يُحِلُّوا الْحِلَّ كُلَّهُ مَنْ وَطِئَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالْمَخِيطَ، وَأَنْ يَبْقُوا كَذَلِكَ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ يَوْمُ مِنًى، فَيُهِلُّوا حِينَئِذٍ بِالْحَجِّ، وَيُحْرِمُوا عِنْدَ نُهُوضِهِمْ إِلَى مِنًى، وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَئِذٍ إِذْ تَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مَنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، وَلأَحْلَلْتُ كَمَا أَحْلَلْتُمْ، وَلَكِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، فَلا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ الْهَدْيَ» وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وعمرو وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ وَرِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْوَفْرِ [١] سَاقُوا الْهَدْيَ فَلَمْ يُحِلُّوا وَبَقُوا مُحْرِمِينَ كَمَا بَقِيَ هُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُحْرِمًا، لأَنَّهُ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَ نَفْسِهِ، وَكُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَسُقْنَ هَدْيًا فَأَحْلَلْنَ، وَكُنَّ قَارِنَاتٍ حَجًّا وَعُمْرَةً، وَكَذَلِكَ فَاطِمَةُ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَحَلَّتَا حَاشَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ أَجْلِ حَيْضِهَا لَمْ تُحِلَّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَشَكَا عَلِيٌّ فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ حَلَّتْ، وَصَدَّقَهَا عَلَيْهِ السَّلامُ فِي أَنَّهُ أَمَرَهَا بِذَلِكَ، وَحِينِئَذٍ سَأَلَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ الْكِنَانِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُتْعَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ، وَلَنَا أَمْ لِلأَبَدِ، فَشَبَّكَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَصَابِعَهُ وَقَالَ: «بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ، دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَنْ جَاءَ إِلَى الْحَجِّ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَتَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَيْهَا مِمَّنْ أَهَلَّ يا هلال كَإِهْلالِهِ بِأَنْ يَبْقَوْا عَلَى حَالِهِمْ، فَمَنْ سَاقَ مِنْهُمُ الْهَدْيَ لَمْ يُحِلَّ، فَكَانَ عَلِيٌّ فِي أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ أَنْ يُحِلَّ، فَكَانَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا مِنْ أَجْلِ هَدْيِهِ يَوْمَ الأَحَدِ الْمَذْكُورِ وَالاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ وَالأَرْبَعَاءِ وَلَيْلَةَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ نَهَضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكْرَةً يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ يَوْمُ مِنًى، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ مَعَ النَّاسِ إِلَى مِنًى، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنَ الأَبْطَحِ [٢] كُلُّ مَنْ كَانَ أَحَلَّ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَأَحْرَمُوا فِي نُهُوضِهِمْ إِلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمِنًى الظُّهْرَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ الْمَذْكُورِ، وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الآخِرَةَ، وَبَاتَ بِهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وصلى بها الصبح من يوم


[ (١) ] أي أهل المال الوافر الكثير.
[ (٢) ] الأبطح: موضع بين مكة ومنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>