للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمُعَةِ، ثُمَّ نَهَضَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ إِلَى عَرَفَةَ، بَعْدَ أَنْ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنْ تُضْرَبَ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ شَعْرٍ بِنَمِرَةَ، [١] فَأَتَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَرَفَةَ، وَنَزَلَ فِي قُبَّتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِنَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرَحَلَتْ، ثُمَّ أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ خُطْبَةً، ذَكَرَ فِيهَا عَلَيْهِ السَّلامُ تَحْرِيمَ الدِّمَاءَ وَالأَمْوَالَ وَالأَعْرَاضَ، وَوَضَعَ فِيهَا أُمُورَ الْجَاهِلِيَّةِ وَدِمَاءَهَا، وَأَوَّلُ مَا وَضَعَ دَمَ ابْنِ رَبِيعَةَ بن الحرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ.

وَذَكَرَ النَّسَّابُونَ أنه صَغِيرًا يَحْبُو أَمَامَ الْبُيُوتِ، وَكَانَ اسْمُهُ: آدَمَ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ عَائِرٌ أَوْ سَهْمُ غَرْبٍ مِنْ يد رجل من بني هذيل فمات) .

ثم نرجع إلى وصف عمله عليه السلام وَوَضَعَ أَيْضًا عَلَيْهِ السَّلامُ فِي خُطْبَتِهِ بِعَرَفَة رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَوَّلُ رِبًا وَضَعَهُ رِبَا عَمِّهِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَوْصَى بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، [وأباح ضربهن ضربا] [٢] غَيْرَ مُبَرِّحٍ إِنْ عَصَيْنَ بِمَا لا يَحِلُّ، وَقَضَى لَهُنَّ بِالرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، وَأَمَرَ بِالاعْتِصَامِ بَعْدَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لا يَضِلُّ مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ، وَأَشْهَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ مَا يُلْزِمُهُ، فَاعْتَرَفَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يُبَلِّغَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهَلالِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَشَرِبَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَامَ النَّاسِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَمَّ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ أَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، لَكِنْ صَلاهُمَا عَلَيْهِ السَّلامُ بِالنَّاسِ مَجْمُوعَتَيْنِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ لَهُمَا مَعًا وَبِإِقَامَتَيْنِ، لِكُلِّ صَلاةٍ مِنْهُمَا إِقَامَةٌ، ثُمَّ رَكِبَ عَلَيْهِ السَّلامُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا لِلدُّعَاءِ، وَهُنَالِكَ سَقَطَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي جُمْلَةِ الْحَجِيجِ فَمَاتَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا يُمَسَّ بِطِيبٍ وَلا يُحَنَّطَ، وَلا يُغْطَى رَأْسُهُ وَلا وَجْهُهُ. وَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا، وَسَأَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ هُنَالِكَ عَنِ الْحَجِّ، فَأَعْلَمَهُمْ عَلَيْهِ السَّلامُ بِوُجُوبِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَوَقْتِ الْوُقُوفِ بِهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى النَّاسِ أَنْ يَقِفُوا عَلَى مَشَاعِرِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ عليه السلام واقفا


[ (١) ] نمرة: موضع عند عرفات.
[ (٢) ] وردت في الأصل: وأباحهم ضربهن، وهي تصحيف، ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>