للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعله على تلك الأحاديث الثابتة المستفيضة! وعلى فِعْل مَن ذكرنا فِعْله من الصحابة الذين هم أكثر منه عددًا، وأعظم منه قدرًا، وأعلم منه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ق ٣٥] وسنته، وهم الخلفاء الراشدون ومن ذُكِر معهم! ثم إذا روى حديثَ المُصرَّاة المخالف لقولكم، رُدّ حديثُه بأنه لم يكن من فقهاء الصحابة، ومستندُ الردِّ رواية أبي هريرة له؛ لأن الفقه لم يكن شأنه.

قال الشافعي (١): «كلَّمْتُ محمد بن الحسن في مسألة المُصرَّاة،


(١) لم أجده في «الأم» ولعله فيما ساقه البيهقي في «كتاب الخلافيات» من مناظرات الشافعي مع محمد بن الحسن كما أشار إليها ابن الملقن في «البدر المنير»: (٣/ ٥٠٣).
وللشافعي في الأم (٣/ ٢١٣) مناظرة مع محمد بن الحسن فيها تثبيت رواية أبي هريرة والاحتجاج لها، نسوقها بنصها: «قال (محمد): فكيف تنقض الملك الصحيح؟ فقلت: نقضته بما لا ينبغي لي ولا لك ولا لمسلم عَلِمَه إلا أن ينقضه به. قال: وما هو؟ قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر. قلت: إذًا تصير إلى موضع الجهل أو المعاندة. قال: إنما رواه أبو هريرة وحده، فقلت: ما نعرف فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية إلا عن أبي هريرة وحده، وإن في ذلك لكفاية تثبتُ بمثلها السنة. قال: أفتوجدنا أن الناس يثبتون لأبي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره؟ قلت: نعم، قال: وأين هي؟ قلت: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» فأخذنا نحن وأنت به ولم يروه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تثبت روايته غيره. قال: أجل ولكن الناس أجمعوا عليها. فقلت: فذلك أوجب للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبي هريرة وحده ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله عز وجل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، وقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}.

= ... وقلت له: وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا». فأخذنا بحديثه كله وأخذت بجملته فقلت: الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه، ولم توهّنه بأن أبا قتادة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهرّة أنها لا تنجّس الماء. ونحن وأنت نقول: لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسًا عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب، ولم يروه إلا أبو هريرة. فقال: قبلنا هذا لأن الناس قبلوه. قلت: فإذا قبلوه في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره، وإلا فأنت تتحكم فتقبل ما شئت وترد ما شئت. قال: فقال: قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصرّاة وحديث الأجير وغيره أفتعلم غيره انفرد برواية؟ قلت: نعم أبو سعيد الخدري روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق ... » انتهى الغرض منه.