وللشافعي في الأم (٣/ ٢١٣) مناظرة مع محمد بن الحسن فيها تثبيت رواية أبي هريرة والاحتجاج لها، نسوقها بنصها: «قال (محمد): فكيف تنقض الملك الصحيح؟ فقلت: نقضته بما لا ينبغي لي ولا لك ولا لمسلم عَلِمَه إلا أن ينقضه به. قال: وما هو؟ قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر. قلت: إذًا تصير إلى موضع الجهل أو المعاندة. قال: إنما رواه أبو هريرة وحده، فقلت: ما نعرف فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية إلا عن أبي هريرة وحده، وإن في ذلك لكفاية تثبتُ بمثلها السنة. قال: أفتوجدنا أن الناس يثبتون لأبي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره؟ قلت: نعم، قال: وأين هي؟ قلت: قال أبو هريرة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» فأخذنا نحن وأنت به ولم يروه أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تثبت روايته غيره. قال: أجل ولكن الناس أجمعوا عليها. فقلت: فذلك أوجب للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبي هريرة وحده ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله عز وجل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، وقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}.
= ... وقلت له: وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا». فأخذنا بحديثه كله وأخذت بجملته فقلت: الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه، ولم توهّنه بأن أبا قتادة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهرّة أنها لا تنجّس الماء. ونحن وأنت نقول: لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسًا عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب، ولم يروه إلا أبو هريرة. فقال: قبلنا هذا لأن الناس قبلوه. قلت: فإذا قبلوه في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره، وإلا فأنت تتحكم فتقبل ما شئت وترد ما شئت. قال: فقال: قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصرّاة وحديث الأجير وغيره أفتعلم غيره انفرد برواية؟ قلت: نعم أبو سعيد الخدري روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق ... » انتهى الغرض منه.