للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يرفع يديه إذا سجد (١). وانفرد بذلك عن سائر أصحاب عبيدالله، وعمَّا رواه الناس عن نافع وسالم= فعُلِم غلط عبد الوهاب، وأنه لم يحفظ ذلك كما حفظه الزُّهري وأيوب وغيرهما.

ومما يدلُّ على أنّ حديثَه عن حُميد عن أنس غلط: أن أصحاب أنس لم يذكر أحدٌ منهم عنه ذلك، ولا أصحاب حميد، غير رواية عبد الوهاب هذه التي انفرد بها، فهي شاذَّة منكرة.

هذا، وأبو محمد لا يندفع بمثل هذا الكلام الذي المحاكمةُ فيه إلى ذوق العارفين بالحديث وأطبّاء علله وجهابذة نُقَّاده؛ فإنَّ الظّاهرية المحضةَ لا تناسب طريقَهم ولا تلتئم على أصولهم، فمن سَلَكها ومضى فيها كالسِّكَّة المُحْمَاة (٢) لم يطمع منازِعُه في استنزاله عن قوله، ولا في رجوعه إليه ألبتة.

ولكلٍّ من علماء الإسلام اجتهادٌ يثيبه الله عليه، ويجمع له به بين أجرَين، أو يقتصر به على أجر واحد. رضي الله عنهم أجمعين، وجزاهم أفضل جزاء المحسنين.


(١) تقدم (ص/٢٥٤).
(٢) السّكة المحماة: الحديدة الحارة، ووجه التشبيه بها في الحرارة والسرعة والنفوذ. قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»: (١٠/ ٢٦٢) في شرح قول علي رضي الله عنه: (أكون في أمرك كالسكة المحماة في الأرض) قال: «وذلك أن السكة المحماة تخرق الأرض بشيئين: أحدهما تحدّد رأسها، والثاني حرارته، فإنَّ الجسم المحدّد الحار إذا اعتمد عليه في الأرض اقتضت الحرارة إعانة ذلك الطرف المحدد على النفوذ بتحليلها ما تلاقي من صلابة الأرض، لأن شأن الحرارة التحليل، فيكون غوص ذلك الجسم المحدّد في الأرض أوحى وأسهل».