غيبة غربة؛ لأن في الغربة تضييعا لافتقاد الأحوال: أحوال الوطن.. ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من مات غريبا مات شهيدا) ، فإنما صار هكذا لأنه افتقد أحوال التربية والنعمة والتغذية. وهذا كله نصيب النفس؛ فإنما تحب الحياة، فإذا افتقدت هذا كله فما تصنع بالحياة؟ فيجد القلب حينئذ الزهادة والخلاصة من شهوات النفس، فيقدر أن يحتسب بنفسه على الله، فكتب شهيدا، لأن الشهيد هو الذي احتسب نفسه على الله.. ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الشهداء أمناء الله قتلوا أو ماتوا) . فإنما صار أمينا إذا تخلص العبد من إيثار النفس وأحب الموت وتمناه، فذلك قد سلم نفسه إلى الله، واحتسب بها عليه. ومن لم يخلص قلبه من أسر النفس، فنفسه متشبثة بحب الحياة الدنيا للشهوة الغالبة، فهو فار من الموت، فإذا مات لم يكن شهيدا، وليس هو من أمناء الله؛ لأن الأمين من إذا أعطى شيئا عاريةن فيسال الرد، رده بلا كره. والخائن من قد ولج في رده حتى يؤخذ منه بغير طيبة نفسه، قال الله - عزوجل - عندما قالت اليهود والنصارى: نحن أولياء الله: (قُل يا أَيُها الَّذَينَ هادوا إِن زَعَمتُم أَنَّكُم أَولياءَ لِله مِن دونِ النَّاسِ، فَتَمَنَّوا المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ) ، ثم أعلم العباد الذي منعهم من ذلك فقال:(وَلاَ يَتَمَنونَهُ أَبداً بِمَا قَدَّمَت أَيديهِم) . فمن قدم سوءا، فهو