عبد آبق، فار من الله تعالى؛ فكيف يتمنى القدوم عليه؟ وكيف تطيب نفسه بالموت؟ وكيف يكتب شهيدا، والشهيد من يختار وجه الله ورزقه هناك عنده في محل القربة ليشهده، فيلزمه هذا الإسم؟ فأخبر أن الولي يتمنى الموت، وكذلك المقتول في سبيل الله سلم نفسه إلى الله بذلا فقلل الإسم، وكذلك المطعون أيس من الحياة، وكذلك النفساء أيست من الحياة فطابت نفسها بالموت فهي باذلة، وكذلك الغريق، وصاحب الحرق، وكذلك صاحب الهدم، والمبطون؛ فهؤلاء كلهم قد طيبوا أنفسهم بالموت، واحتسبوا على الله، وتركوا الخيانة في شأن الروح لما أيسوا من الحياة، فقبل الله ذلك منهم، وألحقهم بالشهداء. فهذا الغريب قد لحق بهم أيضا من أجل ما وصفنا أنه لما اقتقدت نفسه تلك الأشياء طلب الموت وسلس قيادة وتخلى عن تشبث النفس بها، فخرج من الخيانة، وصار من الشهداء، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صير توقيت الثلاث اغترابا، وما دون ذلك حكمه حكم الحضر، وإنما سمى حضرا لأنه تحضره النعمة والتربية، وسميت غربة لأنه أغرب نفسه وتباعد، وسمى سفرا لأنه أسفر عن النعمة إلى البراز.