إلى الرأس، فأسبل دمعة من غير تكلف يرحم بها من نزل به الموت الفظيع شأنه، وخاب مقدمه على الله؛ فهو ينظر بعين بصيرة إلى عظيم شأن الموت الذى حل به، وإلى هول المقدم، وإلى فراق المحبوب؛ فتعمل فيه الرآفة فتدمع لذلك عينه، ويحزن به قلبه، فهذا محمود وبذلك يزين أهل المصائب أن يعظموا ما عظم الله، وأن يحزنوا لما أحزنهم، وأن يتوجعوا لفراقه.
وقد رويت الأخبار في شأن أحوال السلف الماضين في شأن المصيبة، فاختلفت أحوالهم على تباين الطبيعة والنفوس العزيزة، فمنهم من بكا ورق، ومنهم من تجلد فلبس وتهيأ وتزين وتبسم، ومنهم من استكان، ومنهم من أظهر السرور واتخذ الطعام وجمع الإخوان.
فأعلاهم في هذا الباب من أقر الأمور مقرها، ووضعها بالمحل الذى وضعها الله؛ فهذا فعل الأنبياء والأولياء، ولفضل النفس والمعرفة قروا على ذلك.
والآخرون خافوا من لخيانة النفوس ففزعوا إلى التسليم وتدافع الإخوان في إظهار الرضا بحكم الله، والتشاغل عن المصيبة كى يستكملوا ثواب الصابرين. فهؤلاء ضعفاء من الضعف عملوا وردوا الدمعة، وتناسوا، وخالطوا الناس، وتشاغلوا، ولهوا عن المصيبة؛ خوفا من التقصير في شأن الصبر.. حتى وجد الشيطان سبيلا في هذا أيضا، فدعاهم في زماننا هذا إلى خدعة عظيمة ليجتمعوا على السرور، واتخاذ طعام كطعام الولائم، وانبساط وتفارح؛ يريدون بذلك إقامة الصبر في الظاهر، فإذا ظاهرهم خلاف فعل الرسل والأنبياء.