للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد زرت أحد الناس قبل سنوات، بعد أن ولي ولاية شرعية، فجرت المباحثة في مسائل العلم، فإذا اشتد الخلاف يفتح «الروض»، ويقرأ المسألة، ثم يقول: صاحب «الروض» يقول كذا، ما عنده قال - صلى الله عليه وسلم - ... !!

ومن كلمات شيخنا ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ الكثيرة، وقد سمعتها منه مرارًا، وسمعها غيري أكثر وأكثر، أنه إذا قيل له في مسألة: قال ابن تيمية كذا، كيف تخالف ابن تيمية؟ قال: هو نبي؟ العبرة بالدليل، ويكرر هذا كثيرا ـ رحمه الله ـ.

وقد أجريت معه مقابلة فأخبر عن نفسه أنه تفقه على المذهب الحنبلي، -ثم قال-: لكن لا أعرف عن نفسي يوما ما، أني أفتيت بغير الدليل، سواء وافق مذهب أحمد، أو خالفه (١).

إنه ينبغي أن نكون وسطا؛ فنتفقه على المذاهب، لكن لا نترك الاعتماد على الدليل، ولا نعيب هذا، بل نجمع بين الأمرين؛ لأن الوقت لا يتسع، فممكن تسير بطريقة تتفقه فيها على مذهب من المذاهب الأربعة في الفقه، وتتصور المسائل، وفي الوقت نفسه تدرسه بالدليل على موثوق؛ لأنه ليس هناك وقت، لم يعد الناس كما كانوا قبل يختمون «الزاد» في سنة يدرسونه في درس يومي يدرسونه رويدًا رويدًا، فلو وجد من يختم «الزاد» في سنة رويدًا رويدًا، ويصوِّر مسائله، كان من المفيد أن يدرس عليه «الزاد»، ثم بعد ذلك ينطلق في الاجتهاد ومعرفة الدليل لا أن يتوقف عند هذا الحد.

وواقع كثيرين أنهم يبدؤون بالمتن المختصر، ثم بالمتوسط، ثم بالمطول، وهم على المذهب، فيدرسون هذا عشر سنين أو خمس عشرة سنة، ثم يفترون عن النظر


(١) انظر قريبًا منه في: «مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن باز - لقاء مع صحيفة الراية السودانية» بعناية الشويعر (٤/ ١٦٦).

<<  <   >  >>