ومثل قول زياد الأعجم:
إني لأكرِمُ نفسِي أن أكلِّفَها ... هجاءَ جَرْمٍ ولما يهجهمْ أحدُ
ماذا يقول لهم مَن كان هاجيَهُمْ ... لا يبلغُ الناسُ ما فيهم وإن جَهَدُوا
ومثل قول أوس بن مغراء:
فلسْتُ بعافٍ عن شتيمةِ عامرٍ ... ولا حابِسي عما أقولُ وعيدُها
ترى اللؤمَ ما عاشُوا جَديداً عليهمُ ... وأبقَى ثيابَ اللابسينَ جديدهَا
لعمركَ ما تبلَى سرابيلُ عامرٍ ... من اللؤمِ ما دامتْ عليها جلودُها
وهذه الأبيات قالها أوس وهو يهاجي النابغة الجعدي، فيقال: إن النابغة كان يقول: إني وأوس بن مغراء لنبتدر بيتاً ما قلناه بعد، لو قاله أحدنا لقد غلب على صاحبه.
فلما قال أوس البيت الاخير، قال النابغة: هذا هو البيت الذي كنا نبتدره، فغلب أوس عليه.
ومثل قول عباس بن مرداس السلمي في سفيان بن عبد يغوث النضري:
وأوعِدْ وقُلْ ما شئتَ إنَّك جاهلٌ ... على أنَّما أنتَ امرؤ من بَنِي نَضْرِ
وما أجود ما قال الفرزدق في عبد الله بن عمير الليثي حين هرب من أبي فديك الخارجي وكان يتمنى لقاء الخوارج كهجاء:
تمنيتهمْ، حتَّى إذا ما لقيتهمْ ... تركْت لهم عند الجِلاد السرادِقَا
وأعطيتَ ما تُعْطى الحليلةُ بَعْلَها ... وكنتَ حُبَارى إذ رأيتَ البوارِقَا
ففي قوله: ما تعطى الحليلة بعلها، مع إيجازه، عجائب، وكذلك في قوله: حبارى.
ومنهم من يفرط في ذكر نقيصة واحدة، كما يغلو عند المدح في فضيلة واحدة.
فمن ذلك للحطيئة يغرق في ذكر البخل وحده:
كددتُ بأظفارِي وأعملتُ مِعْولي ... فصادفتُ جُلْمُوداً من الصخرِ أملَسا
تشاغَلَ لما جئتُ في وَجْهِ حاجَتِي ... وأطرقَ حتى قلتُ قدْ مَات أو عَسَى
وأجمعتُ أنْ أنعاهُ حين رأيتُه ... يفوقُ فواقَ الموتِ حتى تنفسَا
فقلت لهُ: لا بأس لسْتُ بعائِدٍ ... فأفرخَ تعلوهُ السماديرُ مبلسَا
ولجرير في ذكر الجهل وحده:
ولا تتقونَ الشرَّ حتى يصيبكُم ... ولا تعرفون الأمرَ إلا تدبرَا