٨٧٨٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ: فَقُلْتُ لَهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، إِلَى قَوْلِهِ: {أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، إِنَّهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَحَدٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْكَلَامَ الْوَاحِدَ لَا يَنْزِلُ إِلَّا مُجْتَمِعًا مُتَتَابِعًا، لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطَعِ الْكَلَامِ قَالَ: «أَجَلْ»،
٨٧٨١ - قُلْتُ: فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَعْنِي فِي السَّفَرِ، وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ، أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ؟ قَالَ: «بَلَى»،
٨٧٨٢ - قُلْتُ لَهُ: وَلَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَعْرِضُ فِي نَفْسِكَ إِلَّا الْأَحَادِيثُ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَلَكِنَّ الْآخِرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَيْسَ الْفِطْرُ بِمَعْنَى نَسْخِ الصَّوْمِ، وَاخْتِيَارِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْفِطْرِ، وَيَقُولُ: «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ» وَيَصُومُ، ثُمَّ يُخْبَرُ بِأَنَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ أَبَى أَنْ يُفْطِرَ إِذْ صَامَ، فَأَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُفْطِرَ مِنْ تَخَلَّفَ عَنِ ⦗٢٩٨⦘ الْفِطْرِ لِصَوْمِهِ، كَمَا صَنَعَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا، فَأَبْطَؤُوا، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، فَفَعَلُوا
٨٧٨٣ - قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ؟ "، قُلْتُ: قَدْ أَتَى جَابِرٌ مُفَسِّرًا، فَذَكَرَ أَنَّ رَجُلًا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»، فَاحْتَمَلَ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ يَبْلُغَ رَجُلٌ هَذَا بِنَفْسِهِ فِي فَرِيضَةِ صَوْمٍ، وَلَا نَافِلَةٍ، وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَنْ يُفْطِرَ، وَيَحْتَمِلُ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ الَّذِي مَنْ خَالَفَهُ أَثِمَ
٨٧٨٤ - قَالَ: «وَكَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا»، قُلْتُ: كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ رَوَى حَرْفًا وَاحِدًا وَجَابِرٌ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِهِ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَنَسٍ
٨٧٨٥ - قَالَ: " فَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا سَافَرُوا أَفْطَرُوا وَقَصَرُوا الصَّلَاةَ»، قُلْتُ: وَهَذَا مِثْلُ مَا وَصَفْنَا: خِيَارُكُمُ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الرُّخْصَةَ لَا يَدَعُونَهَا رَغْبَةً عَنْهَا، لِأَنَّ قَبُولَ الرُّخْصَةِ، حَتْمٌ يَأْثَمُ بِهِ مَنْ تَرَكَهُ
٨٧٨٦ - قَالَ: «فَمَا أَمَرُ عُمَرَ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُعِيدَ؟»، قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ عَنْهُ، فَإِنْ عَرَفْتُهُ، فَالْحُجَّةُ ثَابِتَةٌ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ، وَأَصْلُ مَا يُذْهَبُ إِلَيْهِ: أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْحُجَّةُ لَازِمَةٌ لِلْخَلْقِ بِهِ، وَعَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعُهُ ⦗٢٩٩⦘،
٨٧٨٧ - وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: قَدْ سَمَّى الَّذِينَ صَامُوا: الْعُصَاةَ، " وَقَدُ يَكُونُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا قَبُولَ الرُّخْصَةِ، وَرَغِبُوا عَنْهَا، وَهَذَا مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا، إِنَّمَا نَقُولُ: يُفْطِرُ أَوْ يَصُومُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ لَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ أَحَبُّ إِلَيْنَا لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ
٨٧٨٨ - قَالَ أَحْمَدُ: وَكَذَا رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَدْ بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
٨٧٨٩ - وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ
٨٧٩٠ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ مُسَافِرًا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ مُقِيمًا،
٨٧٩١ - قَالَ أَحْمَدُ: وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ،
٨٧٩٢ - وَذَهَبَ الْمُزَنِيُّ، إِلَى جَوَازِ الْفِطْرِ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَالشَّعْبِيِّ
٨٧٩٣ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَخْرُجُ صَائِمًا وَتَدْخُلُ صَائِمًا؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَإِذَا خَرَجْتَ فَاخْرُجْ مُفْطِرًا، وَإِذَا دَخَلْتَ فَادْخُلْ مُفْطِرًا " ⦗٣٠٠⦘،
٨٧٩٤ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: " أَنَّهُ كَانَ فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ، فَدَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَلَمْ يُجَاوِزِ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ "،
٨٧٩٥ - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّ دَابَّتَهُ رُحِّلَتْ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ، وَقَدْ تَقَارَبَ غُرُوبُ الشَّمْسِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَقِيلَ لَهُ سُنَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ "،
٨٧٩٦ - وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: يُفْطِرُ إِذَا بَرَزَ عَنِ الْبُيُوتِ