اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ
٣١١ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كُلَّمَا احْتَمَلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا مَعًا اسْتُعْمِلَا مَعًا وَلَمْ يُعَطَّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلِ الْحَدِيثَانِ إِلَّا الِاخْتِلَافَ فَلِلِاخْتِلَافِ فِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا فَيُعْمَلُ بِالنَّاسِخِ وَيُتْرَكُ الْمَنْسُوخُ ⦗١٨١⦘، وَالْآخَرُ: أَنْ يَخْتَلِفَا وَلَا دَلَالَةَ عَلَى أَيِّهِمَا نَاسِخٌ وَلَا أَيِّهِمَا مَنْسُوخٌ فَلَا نَذْهَبُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ غَيْرِهِ إِلَّا بِسَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِيَ ذَهَبْنَا إِلَيْهِ أَقْوَى مِنَ الَّذِي تَرَكْنَا، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ أَثْبَتَ مِنَ الْآخَرِ فَنَذْهَبُ إِلَى الْأَثْبَتِ، أَوْ يَكُونُ أَشْبَهَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا سِوَى مَا اخْتَلَفَا فِيهِ الْحَدِيثَانِ مِنْ سُنَّتِهِ أَوْ أَوْلَى بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ، أَوِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣١٢ - وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنَ الشُّهُودِ إِلَّا مَنْ عُرِفَ عَدْلُهُ، فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَجْهُولًا أَوْ مَرْغُوبًا عَمَّنْ حَمَلَهُ كَانَ كَمَا لَمْ يَأْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ.
٣١٣ - قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ وَمِمَّا يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ , وَأَبَا الْحُسَيْنِ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَدْ صَنَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كِتَابًا يَجْمَعُ أَحَادِيثَ كُلُّهَا صِحَاحٌ.
٣١٤ - وَقَدْ بَقِيَتْ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ لَمْ يُخَرِّجَاهَا لِنُزُولِهَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الدَّرَجَةِ الَّتِي رَسَمَاهَا فِي كِتَابَيْهِمَا فِي الصِّحَّةِ وَقَدْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ وَبَعْضُهَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَبَعْضَهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ وَبَعْضَهَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ عَلَى مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ⦗١٨٢⦘.
٣١٥ - وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا: مَا قَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ، فَذَاكَ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَسَّعَ فِي خِلَافِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا، وَمِنْهَا مَا قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ فَذَاكَ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: مَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُهُ بِجُرْحٍ ظَهَرَ لَهُ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَقِفْ مِنْ حَالِهِ عَلَى مَا يُوجِبُ قَبُولَ خَبَرِهِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوِ الْمَعْنَى الَّذِي يَجْرَحُهُ بِهِ لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ جُرْحًا، أَوْ وَقَفَ عَلَى انْقِطَاعِهِ أَوِ انْقِطَاعِ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ، أَوْ إِدْرَاجِ بَعْضِ رُوَاتِهِ قَوْلَ رُوَاتِهِ فِي مَتْنِهِ، أَوْ دُخُولِ إِسْنَادِ حَدِيثٍ فِي حَدِيثٍ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ.
٣١٦ - فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بَعْدَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا فِي اخْتِلَافِهِمْ وَيَجْتَهِدُوا فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِيهِمْ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ ثُمَّ يَخْتَارُوا مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ أَصَحَّهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
أَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَمَا يُقْضَى وَمَا يُفْتَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute